الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

قلتُ: يا رسول الله، دُلَّني على عمل يُدْخلُني الجنة، قال: «إنَّ من مُوجبات الْمَغفرة: بَذْلُ السلام، وحُسْنُ الكلام»


رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم: (469)، والخرائطي في مكارم الأخلاق برقم: (146)، والقُضاعي في مسند الشهاب برقم: (1140)، وبنحوه في صحيح ابن حبان برقم (490) كلهم عن هانئ بن يزيد -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1035)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (2699).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مُوجِبَات»:
الْمُوجبات جمع: مُوجِبة، وهي الأمور التي يُوجِبُ الله فيها العذاب بالنَّار أو الرَّحمة بالجنَّة، وفي الدُّعَاء: «أسألك مُوجبَات رحمتك». تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 169).

«بَذْلُ السَّلام»:
بالذّال المعجمة، وفي (العُباب): بذَلْت الشيء أَبْذِله وأَبْذُله، أي: أعطيتُه وَجُدْتُ به. عمدة القاري، للعيني (1/ 198).


شرح الحديث


قوله: «دُلَّني على عمل يُدخِلُني الجنة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإثيوبي -رحمه الله-:
«دُلَّني» فعل أمر، من دلّه على الشيء أو إليه، يدله...أي: أرشدني «على عمل» متعلق بـ«دلني» ... «يدخلني الجنة». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/18).
وقال الشيخ عطية بن محمد سالم -رحمه الله-:
معناه: أي يكون سببًا في رضا الله عنِّي وتقبله منِّي.شرح الأربعين النووية (63/6).
وقال الشيخ عبد الرحمن التركي -حفظه الله-:
هذا الحديث اشتمل على أعظم سؤال وأعظم إجابة ...قال: يا رسول الله أريد أن أسالك عن مسألة أضنتني وأتعبتني وأسقمتني، فقال: وما هي؟ فقال: «دُلَّني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار» فكان هذا السؤال فيه أعظم سؤال، وفيه أعظم إجابة، وقد انتفعت به الأُمَّة إلى قيام الساعة. النفحة القدسية في شرح الأربعين النووية (ص:111).
وقال الشيخ عبد الرحمن التركي -حفظه الله- أيضًا:
قوله: «دُلَّني على عملٍ يدخلني الجنة»، وهذا هو قصد كل صالح ومصلح، قال تعالى: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} الأعراف:43. شرح الأربعين النووية (247).

قوله: «إنَّ من مُوجِبات المغفرة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: من أسباب ستر الذنوب، وعدم المؤاخذة بها. فيض القدير (2/ 541).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
هي جمع مُوجبة، مِنْ أوجب يُوجِب، إذا أثبت وأَلْزَم. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 138).
وقال -رحمه الله- أيضًا:
أي: مما جعله الله سببًا للمغفرة لا يتخلَّف. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 7).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والمراد: الصغائر، قياسًا على النظائر. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 351).
وقال العزيزي -رحمه الله-
«من مُوجبات المغفرة»، أي: مغفرة الذنوب الصغائر. السّراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 145).

قوله: «بَذْلَ السَّلام»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: إفشاؤه لكل خاصٍّ وعامٍّ. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 138).
وقال -رحمه الله- أيضًا:
وبذل السلام يتضمَّن التواضع، وأنه لا يتكبَّر على أحد، بل يقوله لكل كبير وصغير، وشريف ووضيع، من يعرف ومن لا يعرف، والمتكبر بِضِدِّ هذا، فإنه لا يرد السَّلام على من سلَّم عليه تكَبُّرًا، فكيف يبذله؟!
وقد ثبت من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- بذل السَّلام لكل أحد، وأنه مرَّ بصبيان فسلَّم عليهم، ذكره مسلم، وذكر الترمذي: أنه مر بجماعة يمشون فَأَوْمَأَ بيده بالتسليم.
فقال ابن القيم: الصواب في مسألة السلام على النساء: أنه يُسلِّم على العجائز، وذوات المحارم، دون غيرهن. انتهى.
ومن فوائد إفشاء السلام: أنَّ فيه السلامة، وقد أُطلِقَتْ هنا، فيحمل على العموم، أو يُخصُّ بالسلامة من شرِّ المسلَّم عليهم بما في حديث أنس: «إذا مررْتم بأهل الشِّرَّة فسلموا عليهم، يُطفئ عنكم شرَّهم ونارهم» -تقدَّم-، أنه هو سبب للتحَابِّ، وهو مطلوب لله من عباده؛ لحديث: «لا تؤمنوا حتى تحابُّوا»، وحديث الأمر بالتحَابِّ -يأتي-، «أن أفضل الأعمال بعد الإيمان التوَدُّد إلى الناس»، والسلام من جوالب المحبة وأسبابها، وهذا مِثْل حديث: «تهادوا تحابُّوا» -يأتي-، وسبب لرضا الله، وأي خير أعظم من رضائه؟، فإنه كل المطلوب، وغايته المراد والمحبوب، وأنه سبب للعلو؛ وذلك أن في إفشاء السلام الاتصاف بمكارم الأخلاق، ورضا الله، ومحبة الناس له، وأي علو أشرف من حيازة هذه الأمور؟. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 537-548).
وقال المناوي -رحمه الله-:
و«بذل السلام»، أي: إفشاؤه بين الناس على كل من لَقِيتَه، عرفتَه أم لا، سيما الفقراء والمساكين. فيض القدير (2/ 541).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فيه: حضٌّ على مكارم الأخلاق، والتواضع، واستئلاف النفوس. إرشاد الساري (1/ 113).
وقال المظهري -رحمه الله-:
و«بذلُ السلام»، أي: إفشاءُ السلام على مَنْ عرفته ومن لم تعرفْه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 80).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
و«بذل السلام»: يتضمن مكارم الأخلاق، والتواضع، وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحَابُّ. التوشيح شرح الجامع الصحيح (1/ 191).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفي بذل السلام لمن عرفتَ ولمن لم تعرف: دليل على إخلاص العمل فيه لله تعالى، لا مصانعة ولا مَلَقًا، لمن تعرِف دون من لا تعرف. إكمال المعلم (1/ 202).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وكان السلف من المحافظة على بذل السلام، كما ذكر معمر قال: كان الرجلان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مجتمعين، فتُفَرِّق بينهما شجرة، ثم يجتمعان فيُسلِّم أحدهما على الآخر.
ومما يدل على تأكيد السلام على كل أحد: أنَّ الله تعالى قد أمر الداخل بيتًا غير مسكون بالسلام عند دخوله، وروي عن ابن عباس والنخعي وعلقمة وعطاء وعكرمة وقتادة في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا على أَنْفُسِكُمْ} النور: 61، قالوا: إذا دخلتَ بيتًا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنَّ الملائكة ترُدُّ عليك، وهذا يدل أنَّ الداخل بيتًا مسكونًا أولى بالسلام. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 45)
وقال النووي -رحمه الله-:
وأمّا بذلُ السلام للعالَم، فمعناه: لجميع الناس، فيتضمَّن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع بسببه من السلام عليه بسببه. الأذكار (ص: 243).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
السلام أول أسباب التَأَلُّف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكُّنُ أُلْفَة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميِّز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين...
وفيه لطيفة أخرى: وهي أنه يتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء، وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأنَّ سلامه لله لا يتَّبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به. شرح النووي على مسلم (2/ 36).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
ثم إنَّ هذا العموم مخصوصٌ بالمسلمين، فلا يُسلَّم ابتداءً على كافر. المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج (1/ 118).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ذهب الجمهور: إلى أنه لا يُسلَّم على الفاسق، ولا المبتدع، قال النووي: فإن اضطُرَّ إلى السلام بأن خاف ترتُّب مفسدة في دين، أو دنيًا إن لم يُسلِّم سلَّم، وكذا قال ابن العربي وزاد: وينوي أنَّ السلام اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه قال: الله رقيب عليكم.
وقال المهلب: ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية، وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع، وخالف في ذلك جماعة.
وقال ابن وهب: يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرًا، واحتج بقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة: 83، وتُعُقِّبَ بأنَّ الدليل أعمُّ من الدعوى.
وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة، ككثرة المزاح، واللهو، وفحش القول، والجلوس في الأسواق لرؤية من يمرُّ من النساء، ونحو ذلك.
وحكى ابن رشد قال: قال مالك: لا يُسلَّم على أهل الأهواء، قال ابن دقيق العيد: ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم، والتبرِّي منهم. فتح الباري (11/ 40).

قوله: «وحُسْن الكلام»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: إِلَانَة القول للإخوان، واستعطافهم على منهج الْمُداراة، لا على طريق الْمُداهنة والبهتان. فيض القدير (2/ 541).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
وقالوا: وحُسْن الكلام أن يَزِن ما يتكلم به قبل النطق بميزان العقل، ولا يتكلم إلا بما تَمَسُّ الحاجة إليه...
وأحسن ضابط أن يُقال: لا يتكلم إلا بما تَمَسُّ الحاجة إليه، وَرُبَّ كلام جوابه السكوت، كما قيل:
ما كل قول له جواب *** جواب ما يُكرَهُ السكوت. فيض القدير (4/ 333).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وحُسْن الكلام»، أي: طِيْبه ولِيْنه؛ لأنهما من حسن الخُلُق، وهو من موجبات المغفرة. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 138).
وقال أيضًا -رحمه الله-:
حسن الكلام: مأخوذ من قول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة: 83، قالوا: وحُسْن الكلام أن يَزِنَ ما يتكلَّم به قبل النطق بميزان العقل، ولا يتكلَّم إلا بما تَمَسُّ الحاجة إليه. التنوير شرح الجامع الصغير (7/278- 279).
وقال الطبري -رحمه الله-:
قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة: 83، قال عطاء: للنَّاسِ كُلِّهِمْ. جامع البيان (2/ 197).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) (هنا)


ابلاغ عن خطا