«اتقوا دعواتِ المظلومِ، فإنَّها تصعدُ إلى السماءِ كأنَّها شَرَارٌ».
رواه الحاكم في المستدرك برقم: (81) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (870)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (2228).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«شَرَارٌ»:
الشَّرارُ: مَا تطاير من النَّار، واحده: شَرَارَة، والشَّرَرُ مثله، واحده: شَرَرَة، وَتجمع الشَّرَارَةُ على شَرائر أيضًا، وأنشد الأصمعي:
وَمَرْوَةٌ تُطَيَّرُ الشَّرائِرَا... شرح ديوان المتنبي للعكبري (4/ 94).
وقال نشوان الحميري -رحمه الله-:
الشَّرار: جمع: شَرَارَة من النار، وهي لغة بني تميم، وقرأ عيسى بن عمر: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَارٍ كَالقَصْرِ} المرسلات: 32، قال:
تَنْزُو إِذا شَجَّها المزَّاجُ كما *** طارَ شَرارٌ يطيِّره اللهب. شمس العلوم (6/ 3326).
شرح الحديث
قوله: «اتقوا دعوات المظلوم»:
قال ابن حبان -رحمه الله-:
أَمْرٌ باتقاء دعوة المظلوم، مُرادهُ الزجر عمّا تولَّد ذلك الدّعاء منه، وهو: الظلم، فزجر عن الشيء بالأمر بمجانبة ما تولَّد منه. صحيح ابن حبان (2/ 363).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
أي: لا تظلم أحدًا بأن تأخذ منه ما ليس بواجب عليه، أو تؤذيه بلسانك؛ فإنك لو ظلمت أحدًا ودعا المظلوم عليك بسوء قَبِلَ الله دعاءه؛ فإن الله تعالى لا يردُّ دعاء المظلوم ولو كان كافرًا. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (9/ 610).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
أي: اجتنب الظلم؛ لئلا يدعو عليك من تظلمه؛ وذلك مستلزِم لتجنُّب جميع أنواع الظلم على أبلغ درجة، وأوجز إشارة، وأفصح عبارة كأنه إذا اتقى دعاء المظلوم، لم يظلم، فهو أَبلغ مِن أَنْ لو قال: لا تظلم. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 686).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: اجتنبوا دعوة مَن تَظْلِمُونه؛ وذلك مستلزم لتَجَنُّبِ جميع أنواع الظلم على أبلغ وجهٍ وأَوْجَزِ إشارة، وأَفْصَحِ عبارة؛ لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم، لم يظلم، فهو أبلغ من قوله: لا تظلم، وهذا نوعٌ شريف من أنواع البديع يسمى: تعليقًا.فيض القدير(1/141)
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
دعوة المظلوم مجابة...، وإن كان عاصيًا، كما في حديث أبي هريرة، وعند أحمد مرفوعًا: «دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا، فَفُجُورُهُ على نفسه» وإسناده حسن، «وإن كان كافرًا» كما في خبر أنس.
وأما قوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} غافر: 50، فذاك في دعائهم للنجاة من نار الآخرة، أما دعاؤهم لطلب الانتصاف ممن ظلمهم في الدُّنيا كما في الحديث فلا تنافيه الآية. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 686)
وقال الكوراني -رحمه الله-:
وقد جاء مرفوعًا: «أربعة لا يُرَدُّ دعاؤهم: الوالد للولد، والإمام العادل، ودعاء المؤمن لأخيه المؤمن في غيبة، ودعاء المظلوم»؛ فإن قلتَ: كم من مظلوم يدعو على ظالمه، ولا يصيبه شيء؟
قلتُ: الأمور مرهونة بأوقاتها، وسيأتي أنه يُستجاب له، أو يُدَّخَر له ما هو خير منه. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (5/ 122-123).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فأما الدعاء فقد جاء فيه قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} البقرة:186، مطلقًا لكل داعٍ، وقد جاء قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} النمل:62، فلما قررنا على ذلك قلنا بتوفيقه: لا يجيب المضطر، ولا يكشف السوء إلا أنت، فإذا رأيت داعيًا مظلومًا مضطرًا يسأل في شيء، فلا يناله، فإياك أن تقول: هذا خُلْف في الوعد، ولا بخل بالعطاء، فإنه كفر، ولا تعتقد ذلك فإنه شرك يخرج عن التوحيد، ويبطل العمل، ويوجب الخلود في النار. عارضة الأحوذي (3/ 119).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الوعد الصدق بأن الله تعالى يستجيب للمظلوم فيه، غير أنه قد تُعَجَّل الإجابة فيه، وقد يؤخِّرها إملاء للظالم؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله يُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتُه»، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} هود:102، وكما قد رُوِيَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله تعالى يرفع دعوة المظلوم على الغمام، ويقول لها: لأنْصُرَنَّكِ ولو بعد حين». المفهم (1/ 184).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
ويدخل في الظلم: جميع أنواعه، لا ظلم نفسه، فإن الإنسان إذا ظُلم نفسه لا يدعو عليها. شرح سنن أبي داود (7/ 528).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه ما يستجاب لمثله؛ من كون مَطعمه حرامًا أو نحو ذلك، حتى ورد في بعض طرقه: «وإن كان كافرًا» رواه أحمد، من حديث أنس. قوت المغتذي على جامع الترمذي (1/ 243).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
حتى ولو كان المظلوم كافرًا وظلمته ثم دعا الله عليك؛ استجاب الله دعاءه...،لا حبًّا للكافر ولكن حبًّا للعدل؛ لأن الله حكمٌ عدلٌ، والمظلوم لابد أنْ ينصف له من الظالم؛ ولهذا لما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم معاذًا- إلى اليمن قال له: «اتق دعوة المظلوم..».شرح رياض الصالحين(4/616)
قوله: «فإنها تصعد إلى السماء»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فإنها تصعد إلى السماء» في غاية السّرعة. «كأنها شرارة»؛ لأنه مضطر في دعائه وقد قال -سبحانه وتعالى-: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} النمل: 62، قال ابن الجهم:
وأفنية الملوك محجَّبات *** وباب الله ليس له فناء. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 31).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
وكلما قَوِيَ الظلم قَوِيَ تأثيره في النفس؛ فاشتدَّت ضراعةُ المظلوم فَقَوِيَت استجابته. فيض القدير (1/ 142).
قوله: « كأنها شرار»:
قال الحميدي -رحمه الله-:
الشرر: مَا تطاير من النَّار، والواحدة: شرارة، وَيُقَال فِي الْجمع أَيْضًا: شَرار. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 170).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والشَّرَرُ: ما تطاير من النار في الهواء، شبَّهَ سرعة صعودها بسرعة طيران الشرر من النار. فيض القدير (1/ 142).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
في سرعة صعودها، أو لأنَّها خرجت من قلب يلهب بنار القهر والظُّلم، وأنها في خرقها للحُجُب كأَنَّها شرارة في أثرها، وفي هذا التشبيه نكتة شريفة هي: الإشارة إلى أن الجزاء من جنس الفعل، كما جرت به سنته تعالى، فمن أَلْهَبَ قلب المظلوم ومَلَّأَه بالقهر وظلمه، فليرتَقِبِ لنار الجزاء في الدارين. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 345).
وقال الشيخ أحمد حطيبة -حفظه الله-:
انظر الشرارة حين تطير، فكذلك دَعوة المظلوم ليس ثمّة حجاب يمنعها ويحجزها. شرح رياض الصالحين (3/7).
وقال الحلبي -رحمه الله-:
أي: تصعد إلى السماء السابعة فما فوقها. السيرة الحلبية(1/ 106).
وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)