الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا خَرَجَ الرجلُ من بيتِهِ فقالَ: بسمِ اللَّهِ، توكَّلتُ على اللَّهِ، لا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللَّهِ، قال: يُقالُ حينئذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى له الشياطينُ، فيقولُ له شيطانٌ آخَرُ: كيفَ لك برجلٍ قد هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟».


رواه أبو داود برقم: (5095) واللفظ له، والترمذي برقم: (3426)، والنسائي في الكبرى برقم: (9837) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (499)، وصحيح الترغيب والترهيب برقم: (1605).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لا حول»:
الحَوْلُ هاهنا: الحَركَة، يُقالُ: حالَ الشَّخْصُ يَحُولُ إذا تَحَرَّك، المعنى: لا حركة ولا قُوَّةَ إلَّا بمَشِيئة اللَّهِ تعالى، وقيل: الحَوْلُ: الحِيلة، والأوَّلُ أشْبَه. النهاية، لابن الأثير (1/ 462).‌
وقال الأنباري -رحمه الله-:
والحول: التحوّل. الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 83).

«هُدِيتَ»:
أي: رُزِقْتَ إصابةَ الحقِّ، ووجدانَ الطريقِ المستقيم. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 204).
وقال الرازي -رحمه الله-:
والهدى: الرشاد والدلالة. مختار الصحاح (ص: 325).

«وكُفِيتَ»:
أي: رُفعَ عنك هَمُّك. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 204).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
يقال: كفى الشيء يكفي كفاية فهو كافٍ إذا حصل به الاستغناء عن غيره، واكتفيت بالشيء: استغنيت به، أو قنعت به. المصباح المنير (2/ 537).

«ووُقِيتَ»:
أي: حُفِظْتَ من شَرِّ أعدائِك. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 204).
وقال الحميري -رحمه الله-:
يقال: وقى ‌الشيء وقاية: إذا صانه بوقاء، ووقاه الله تعالى أي: حفظه ومنعه. شمس العلوم (11/ 7257).

«فتتنحَّى»:
أي: يتبعَّد. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 204).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
و‌التنحِّي: الانفراد إلى ناحية من المكان. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 31).


شرح الحديث


قوله: «إذا خرج الرجل من بيته»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا خرج الرجل» أو المرأة «من بيته...» سواء خرج إلى المسجد، أو إلى سفر، أو إلى السوق، ونحوه، ويدل عليه رواية الإمام أحمد بزيادة، ولفظه: «ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا أو غيره». شرح سنن أبي داود (19/ 342).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الرجل» والمراد به: الجنس. مرقاة المفاتيح (4/ 1695).

قوله: «فقال: بسم الله»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «بسم الله» الحديث، فيه لَفٌّ ونَشْرٌ، فإن قوله: «بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله» لَفٌّ، وقوله: «هُدِيْتَ، ‌وكُفِيْتَ، ووُقِيْتَ» نشره، فإنه إذا استعان العبد بالله، وباسمه المبارك، فإن الله تعالى يهديه، ويرشده، ويعينه في الأمور الدينية والدنياوية. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1905).

قوله: «توكَّلت على الله»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: اعتمدت عليه في جميع أموري.فيض القدير(5/123)
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«توكلت على الله» فيما خرجت إليه. شرح سنن أبي داود (19/ 343).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وإذا توكل على الله، وفَوَّض أمره إليه، كفاه الله؛ فيكون هو حسبه، {‌وَمَنْ ‌يَتَوَكَّلْ ‌عَلَى ‌اللَّهِ ‌فَهُوَ ‌حَسْبُهُ} الطلاق: 3. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1905).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الشاهد من هذا الحديث: قوله: «بسم الله توكلت على الله» فإن في هذا دليلًا على أن الإنسان ينبغي له إذا خرج من بيته، أن يقول هذا الذكر، الذي منه التوكل على الله، والاعتصام به؛ لأن الإنسان إذا خرج من بيته فهو عُرْضَةٌ لِأَنْ يصيبه شيء، أو يعتدي عليه حيوان، مِن عَقربٍ أو حيَّة أو ما أشبه ذلك، فيقول: «توكلت على الله»، وسبق لنا أن التوكل على الله، والاعتماد عليه؛ من الثّقة بهِ وحُسن الظِّن. شرح رياض الصالحين (1/ 566).

قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
ومعنى «لا ‌حول ولا قوة إلا بالله» ‌لا ‌حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بالله. شرح صحيح البخاري (10/ 140).
وقال الحميدي -رحمه الله-:
«لا حولَ ولا قوّةَ إلَّا باللَّه» معناهُ: لا حِيلَة ولا قُوَّة إلَّا باللَّه، يُقال: ما للرجل حول، وما له حيلة، وما له احتيال، وما له محَالة، وما له محتال، كُلُّهُ بمعنى واحد، ويُقال: ما له مِحَال بكسر الميم وفتحهَا، فإذا كسرت الميم فمعناه: ما له مكر ولا عقوبة؛ من قوله تعالى: {وَهُوَ شَدِيْدُ الْمِحَال} الرعد: 13، أي: شديد العقوبة والمكر، وإذا فتحت الميم فقلت: ما له مَحَال، فمعناه: ما له حول. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 381).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ومن قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» وقاه الله شر الشيطان، ولا يُسَلَّط عليه. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1905).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «ولا حول ولا قوة إلا بالله» تقدم أنها كنزٌ من كنوز الجنة، ومعناها: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 508).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
وروي عن ابن مسعود قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتها. فقال: «تدري ما تفسيرها؟» ، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «لا حول عن معصية الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله» . أخرجه البزار.
ولعل تخصيصه بالطاعة والمعصية؛ لأنهما أمران مهمان في الدِّين. تطريز رياض الصالحين(1/77) دليل الفالحين(2/286).

قوله: «قال: يقال حينئذٍ: هُدِيْتَ، وكُفِيْتَ، ووُقِيْتَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يقال له حينئذٍ»: أي: يناديه ملك: يا عبد الله «هُدِيتَ» أي: طريق الحق، «وكُفِيتَ» أي: همك، «ووُقِيتَ» أي: حُفِظتَ من الأعداء. مرقاة المفاتيح (4/ 1695).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وجملة «هُدِيْت» وما بعده مقول القول، «وهديت» أي: رُزِقْت الوصول إلى المقام الكامل، أي: حقيقة الهداية بسبب استعانتك «باسم الله» على سلوك ما أنت بصدده.
قوله: «كُفِيْت» أي: كُفِيْت كل هَمٍّ دنيويٍّ أو أُخْرَوِيٍّ بواسطة «توكلت على الله»، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا وتعود بِطانًا»، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق: 3.
قوله: «ووُقِيْتَ» أي: حُفِظْتَ من شرِّ أعدائك من الشياطين والجن؛ بواسطة صدقك في تفويض جميع الأمور لبارئها؛ بسلبك الحول والقوة عن كل أحد، وإثباتها له تعالى وحده. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (1/ 335).
وقال السندي -رحمه الله-:
«يقال حينئذٍ» أي: تقول له بعض الملائكة: «هُدِيْت» على بناء المفعول، وكذا ما بعده. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4/ 673).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«يُقال حينئذٍ» أي: من الله -سبحانه-. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/ 491).
وقال محمد بن عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«يقال له» أي: يناديه ملك: يا عبد الله «كُفِيْت» بصيغة المجهول، أي: مهماتك... «ووُقِيْت» من الوقاية، أي: حُفِظْت من شَرِّ أعدائك. تحفة الأحوذي (9/ 271).

قوله: «فتتنحَّى له الشياطين»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فتتنحَّى له» أي: عنه، كما في الترمذي، «الشياطين» كلهم. شرح سنن أبي داود (19/ 343).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيتنحَّى له الشيطان» أي: يبتعد عنه إبليس أو شيطانه الموكل عليه، فيتنحَّى له عن الطريق. مرقاة المفاتيح (4/ 1695).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فيتنحَّى له» أي: لإضلاله وإغوائه. لمعات التنقيح (5/ 229).
وقال السندي -رحمه الله-:
«فتنحَّى له» أي: تعرض له من ناحية. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4/ 673).

قوله: «فيقول له شيطان آخر»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويقول» أي: للمتنحِّي «شيطان آخر» تسلية للأول أو تعجُّبًا من تعرضه. مرقاة المفاتيح (4/ 1695).

قوله: «كيف لك برجل قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ما معنى قوله: «كيف لك برجل؟» وما موقعه من قوله: «فيتنحَّى له الشيطان»؟ قلتُ: معناه: كيف يتيسر لك إغواء رجل قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟ قاله مُعَزِّيًا مُسَلِّيًا للشيطان الذي تنحَّى لأجل القائل عن طريق إضلاله متحسِّرًا آيِسًا، فقوله: «لك» متعلق بقوله: "يتيسر"، و«برجل» حال من فاعله. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1905).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قد هُدِي» إلى هذا الذِّكر «وكُفِي» حين توكل على الله عن غيره، «ووُقِي» من شَرِّ الشيطان جميعهم. شرح سنن أبي داود (19/ 344).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كيف» وفي نسخة: «وكيف لك برجل» أي: بإضلال رجل، «قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ» أي: من الشياطين أجمعين ببركة هذه الكلمات؛ فإنك لا تقدر عليه. مرقاة المفاتيح (4/1695).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فإن قلتَ: بِمَ عَلِمَ الشيطان أنه هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟
قلتُ: لعله من هبوط الأنوار النازلة عليه، أو من الحُجب الكائنة لديه. مرقاة المفاتيح (4/ 1695).


ابلاغ عن خطا