الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا أَنْفَقَتِ المرأةُ من طعامِ بيتِهَا غيرَ مُفْسِدَةٍ، كان لها أجرُهَا بما أَنْفَقَتْ، ولزوجِهَا أجرُهُ بما كَسَبَ، وللخازِنِ مِثْلُ ذلك، لا يَنْقُصُ بعضُهُم أَجْرَ بعضٍ شيئًا».


رواه البخاري برقم: (1425)، ومسلم برقم: (1024)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وفي رواية لمسلم: «مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مُفْسِدَةٍ»:
أي: غير مُسْرِفَة في الصدقة. شرح المصابيح، لابن الملك (2/ 494).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
المراد بالإفساد: الإنْفاق بما لا يَحِلُّ. اللامع الصبيح (5/ 387).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
والفساد: ضدُّ الصلاح، فسد الشيء يفسُد ويفسِد فسادًا وفُسُودًا، وأفْسَدْتُهُ أنا إفسادًا. جمهرة اللغة (2/ 646).

«الخازِن»:
أي: الذي يحفظ الطعام. إرشاد الساري، للقسطلاني (4/ 16).
وقال الراغب الأصفهاني -رحمه الله-:
والخَزْنُ: حفظ الشيء في الخِزَانَة، ثم يعبَّر به عن كلِّ حِفْظٍ كحِفْظ السِّرِّ ونحوه، وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزائِنُهُ} الحجر: 21. المفردات (ص: 280).


شرح الحديث


قوله: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إذا أنفقت» أي: تصدَّقت، كما في رواية أخرى، ففي رواية للترمذي: «إذا تصدَّقت المرأة»، وفي رواية أخرى له: «إذا أعطت المرأة من بيت زوجها». البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/489).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها» أي: وأذن لها زوجها في ذلك صريحًا أو مفهومًا من اطِّراد العُرْف، وعلمت رضاه بذلك. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (3/513).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فلو اضطرب العُرْف أو شكَّتْ في رضاه، أو كان شحيحًا يَشِحُّ بذلك، وعلمت ذلك من حاله، أو شكَّت فيه- حَرُمَ عليها التصدق من ماله إلا بصريح أمره. إرشاد الساري (3/29).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
حذف المنفق عليه؛ لِيَعُمَّ إنفاقها على عيال زوجها ومن يعولهم، وذوي رَحِمِهِ وضيوفه، والسائلين والفقراء والمساكين، وفي سبيل الله عامة؛ وعبَّر بالإنفاق ليعم الصدقة والهدية وغيرها. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/142).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن: النفقة على عيال صاحب المال وغِلمانه، ومصالحه وقاصديه؛ من ضيف وابن سبيل ونحوهما، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العُرْف. شرح مسلم (7/112).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
كلمة «المرأة» هنا هل المراد بها: الزوجة أو ما هو به أَعَمّ؟ الثاني، يعني: المرأة القائمة على البيت؛ سواء كانت الزوجة أو الأم، قد يكون الرجل ليس له زوجة، ولكن له أم وهو الذي يأتي بالمال، أو له أخته، المهم ممكن أن نقول: إن المرأة هنا: ربَّة البيت، سواء كانت الزوجة أو غيرها...، هذا الإمكان يمنعه ما في آخر الحديث، وهو قوله: «ولزوجها»، وعلى هذا: فيكون المراد بالمرأة -بناء على القرينة في آخر الحديث-: الزوجة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/115-116).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «من طعام بيتها» يعني: ما أتى به من المطعوم، وجُعِلَت المرأة متصرفة فيه، وجعله في يدِ خازن، فإذا أنفقت المرأة منه عليه، وعلى من يعوله من غير تقصير وتبذير- كان لها أجرها.
والدليل على ذلك قوله: «من طعام بيتها» فإنه أضاف البيت إليها؛ دلالة على أن الطعام هو ما يُتَّخذ للأكل. الكاشف عن حقائق السنن (5/1568).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«من طعام بيتها» «من» تبعيضية، وأضاف البيت لها؛ لملازمتها له، وإقامتها فيه، وإن كان بيت الزوج. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/142-143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها» ظاهره وإن كان الإنفاق عن غير أمر زوجها، إلا أنه يأتي تقييد ذلك بأنه إذا كان عن غير أمره كان لها نصف الأجر، فالمراد هنا: الإنفاق عن أمره؛ لأن الظاهر أن يراد بالأجر الأجر الكامل. التنوير شرح الجامع الصغير (1/605-606).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هنا مسألة تُشْكِلُ على بعض الناس، وهي: أن يأتي الزوج أحيانًا بحاجة للبيت كثيرة؛ لكنها تفسد إذا تأخَّر أكلها، فتقول: الآن أنا بين أمرين: إما أن أتصدَّق بها -أي: بالزائدة-، وإما أن يبقى ويفسد، وزوجي يقول: لا تتصدقي بشيء، فما الجواب؟
لا يجوز أن تتصدق، ولكن ما تقولون: إنها إذا تصدقت بالذي سيفسد ثم عوضته من مالها الخاص فيجوز ذلك، وهذا لا شك إصلاح، {وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} البقرة: 220.
أما عمل زوجها الأول فهذا ليس بصواب، وكان عليها أن تُقْنِعَه بقدر ما تستطيع أن ذلك لا يجوز، فيجوز من الحديث قاعدة: تَصَرُّفُ الفضولي، وهو الذي يتصرَّف في مال موكله بغير إذنه، والعلماء اختلفوا في ذلك: هل ينفذ التصرُّف أو لا ينفذ؟ والصحيح: أنه ينفذ بالإجازة؛ إلا ما يحتاج إلى نية مثل: الزكاة، فهذا قد يقال: لا ينفذ، لاشتراط النية، وقد يقال أيضًا: إنه ينفذ؛ لأنه إذا أَذِنَ له فقد أقامه مقامه. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/117).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: الطعام إما للزوج فلا يجوز لها الإنفاق منه، وإما للزوجة فلا دخل للزوج فيه.
قلتُ: هو للزوج، وهذا ورد بناء على عادتهم أنهم يأمرون أزواجهم بالإنفاق على الفقراء من طعام البيت. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/195).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ما وجه تخصيص الطعام بالذكر؟
قلتُ: أكثر تصرف النساء يكون في الطعام، ويعلم منه حكم غير الطعام، أو ذكره لِعِزَّة الطعام عندهم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/428).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
خص الطعام بالذكر لغلبة المسامحة به عادة، وإلا فغيره مثله. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (3/513).

قوله: «غير مُفسدة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «غير مفسدة» حال من فاعل «أنفقت» أي: أنفقت حال كونها غير مفسدة بالإنفاق ماله بأن يحتاجه بذلك الإنفاق. التنوير شرح الجامع الصغير (1/606).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «غير مُفسدة» أي: منفقة في وجه لا يحل. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/195).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «غير مُفسدة» يعني: لا تكون مسرفة في التصدق. المفاتيح في شرح المصابيح (2/555).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «غير مُفسدة» له بأن لم تُجَاوِزِ العادة ولم تُقَصِّر ولم تُبَذِّر. فيض القدير (1/306).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «غير مُفسدة» أي: غير قاصدة بالإعطاء إفساد بيت الزوج، وغير معطية ما لم تَجْرِ العادة بإعطائه. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (9/336).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«غير مُفسدة» بأن تخرج عن العُرْف إلى الإسراف. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/369).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «غير مُفسدة»... قيد به؛ لأنها إذا كانت مفسدة بأن تجاوزت المعتاد فإنه لا يجوز. عمدة القاري (8/ 291).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«غير مُفسدة»، هذا شرط أساسي في كل ما يطلب به الأجر، فكل ما يطلب به الأجر إذا كان مقترن به الفساد؛ فإن الله تعالى لا يرضاه؛ لأن الله يقول: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد} البقرة: 205، {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} المائدة: 64. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/116).

قوله: «كان لها أجرها بما أنفقت»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
قوله: «أجرها» أي: الصدقة. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (5/387).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «بما أنفقت» الباء فيه للسببية، أي: بسبب ما أنفقت. شرح مصابيح السنة (2/494).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان لها أجرها بما أنفقت» بسبب الإنفاق، وإن لم يكن لها ملك في المال. التنوير شرح الجامع الصغير (1/606).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «كان لها أجرها بما أنفقت» وهذا محمول على الإذن الصريح في ذلك، أو على جري العادة، ودلالة الحال على رضا الزوج، لا بد من هذا القيد، وأما حمله على الذي أعطاها الزوج وملكت فلا وجه له؛ لأن الزوج لا يشاركها فيه. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/369-370).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
و«ما» موصولة أو مصدرية، أي: كان لها أجر إنفاقها من مال الغير بإذنه ورضاه. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فلها أجرها...» إلى آخره إلا أنه قد عارضه حديث: «إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها من غير أمرهِ فلها نصف أجره» فمعناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره؛ وذلك الإذن إما بالتصريح أو بالعُرْف، ولا بد من هذا التأويل. التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (6/429).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يُعْلَمُ رضا المالك به في العادة، فإن زاد على المتعارف لم يجز، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة»؛ فأشار -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه قدرٌ يُعْلَمُ رضا الزوج به في العادة، ونبَّه بالطعام أيضًا على ذلك لأنه يُسْمَحُ به في العادة؛ بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس، وفي كثير من الأحوال. شرح مسلم (7/113).

قوله: «ولزوجها أجره بما كسب»:
قال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
قوله: «ولزوجها» عبَّر به لأنه الغالب، وإلا فالمراد: المالك زوجًا كان أو غيره. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (3/513).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«ولزوجها أجره بما كسب» أي: وكان لزوجها أجر هذه النفقة بسبب كسب مالها (أي: النفقة)، ليس أجر الكسب، فهو ثابت قبل الإنفاق، وإنما أجر إنفاق ما كسبه. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولزوجها أجره بما كسب» من المال الذي حصل منه الإنفاق. التنوير شرح الجامع الصغير (1/606).
وقال العيني -رحمه الله-:
«ولزوجها أجره بما كسب» أي: بسبب كسبه، والمعنى: أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر، ومعنى المشارك: أن له أجرًا كما لصاحبه أجر، وليس معناه: أن يزاحمه في أجره، أو المراد: المشاركة في أصل الثواب، فيكون لهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء، بل يكون ثواب هذا أكثر، وقد يكون بعكسه. عمدة القاري (8/ 291).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قال الشيخ عزِّ الدين ابن عبد السلام: فيه إشكال من حيث إنها لم تُسَاوِ زوجها في السبب؛ فكيف تساويه في الأجر؟
وأجاب: بأن المراد بالنصف هنا: التقريب لا التحديد، قال: وهذا كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «الطهور شطر الإيمان»، لَمَّا كان الغالب على الصحابة أنهم لا يأتون إلى منازلهم إلا بقدر مُؤَنِهم وَمُؤَنِ عيالهم، فتكون الزوجة شريكة لزوجها في المؤنة، والمتصدق إذا كان أحد الشريكين كان له نصف أجر ما يتصدق به. التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (6/429).

قوله: «وللخازن مثل ذلك»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
الخازن: هو الذي يكون بيده حفظ الطعام والمأكول من خادم وقَهْرَمان (هُوَ كالخازِن وَالْوَكِيلِ وَالْحَافِظِ لِمَا تَحْتَ يَدِهِ، وَالْقَائِمِ بِأُمُورِ الرجُل، بلُغَة الفُرس)، وقَيِّم لأهل المنزل في نحو ذلك من أمر الناس، وعاداتهم في كل أرض وبلد. معالم السنن (2/79).
وقال العيني -رحمه الله-:
والخازن... أعم من مملوك وغيره. عمدة القاري (8/ 291).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«وللخازن مثل ذلك» المراد بالخازن: الموكول إليه حفظ المال وإن لم يكن خادمًا، واسم الإشارة يعود على المفهوم من الكلام السابق، وهو أجر الزوجة، أي: وللخازن إن فعل مثل الزوجة أجر مثل أجرها. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وللخازن مثل ذلك» مثل أجر واحد منهما لا مثل الأجرين. التنوير شرح الجامع الصغير (1/606).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «ولخازنه مثل ذلك» أي: مثل أجر المالك...، والمراد التساوي في أصل الأجر، فلا ينافي أنه قد يحصل التفاوت. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (9/336).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«وللخازن مثل ذلك»... ظاهره يقتضي تساويهم في الأجر، ويحتمل: أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة، وإن كان أجر الكاسب أوفر؛ لكن التعبير في حديث أبي هريرة الذي ذكرته بقوله: «فلها نصف أجره» يُشْعِرُ بالتساوي، وقد سبق... من طريق جرير أيضًا، وزاد في آخره: «لا ينقص بعضهم أجر بعض»، والمراد: عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر، ويحتمل: أن يُرَادَ مساواة بعضهم بعضًا. فتح الباري (3/304).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«مثل ذلك» أي: الأجر، وهو متعلق بكل من الزوجة والخازن، أي: لكل منهما مثله. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (5/387).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وللخازن مثل ذلك» أي: مثل أجورهم، لكن له أجر الخزانة؛ لأنه لا اكتسب المال ولا أنفقه، لكن قائم على حفظه فله أجر الحفظ، وهذه -كما ترون- الأجور مختلفة الأسباب. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/116).

قوله: «لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا» استئناف بياني، كالجواب عن سؤال ينشأ مما قبله، كأنَّ سائلًا سأل: هل يشارك الخازن والمرأة أجر صاحب المال فَيُنْقِصَانِهِ؟ والجواب: لا يُنْقِصُ بعضهم أجر بعض، والله ذو الفضل العظيم، وليس في هذا مساواة للأجرين، لكن الاشتراك في مطلق الأجر. المنهل الحديث في شرح الحديث (2/143).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «لا يُنْقِصُ بعضهم أجر بعض» أي: لا يزاحم بعضهم بعضًا في الأجر؛ بل كلٌّ يأخذ أجره موفورًا على حسب حاله، وفي رواية الترمذي والنسائي: «ولا يُنْقِصُ كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئًا، الزوج بما كسب، ولها بما أنفقت». المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (9/336).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا» وهذا فضل واسع. التنوير شرح الجامع الصغير (1/606).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أجر» منصوب بنزع الخافض، أي: من أجر بعض، أو هو مفعول أول لقوله: «لا ينقص»؛ لأنه ضِدُّ يزيد، وهو مُتَعَدٍّ إلى مفعولين، قال تعالى: {فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا} البقرة: 10. عمدة القاري (8/ 292).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«شيئًا» نصب مفعول يُنقِص أو يَنقُص كـ(يزيد) يتعدى إلى مفعولين: الأول أجر، والثاني شيئًا؛ كـ{فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا} البقرة: 10. إرشاد الساري (3/29).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا يُنْقِصُ بعضهم من أجر بعض شيئًا» وهذا من نعمة الله -عزَّ وجلَّ-، لا يقال للخادم: أجرك ينقص؛ لأن المال من غيرك، ولا يقال للمرأة أيضًا: أجرك ينقص؛ لأن المال من غيرك، فإذا كان الزوج قد أمر بذلك فله أجر الأمر أيضًا مع أجر الاكتساب؛ لأن الأجور إنما تصدر من الله -عزَّ وجلَّ-، والله -سبحانه وتعالى- حكم عدل، يعطي الإنسان أجره بقدر عمله مع الفضل في الحسنات؛ لكن ما يعطي أحدًا حسنات غيره، وإنما يعطي كل إنسان حسناته ويأجره بقدر أجره، هذا الحديث -كما ترون- فيه ثلاثة كلهم أُجِرُوا بقدر أعمالهم، وهذا هو حقيقة العمل. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/116).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
الحمد لله، هذه نعمة كبيرة، هذا شيء واحد صار الأجر فيه لثلاثة: الأول: المرأة، والثاني: الزوج، والثالث: الخادم. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/115).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن وللزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك؛ فإن لم يكن أَذِنَ أصلًا فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة، بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان:
أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة.
والثاني: الإذن المفهوم من اطِّراد العُرْف والعادة؛ كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به، واطّرد العُرْف فيه وعُلِمَ بالعُرْف رضا الزوج والمالك به؛ فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم، وهذا إذا علم رضاه لاطِّراد العُرْف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإن اضطرب العُرْف وشكَّ في رضاه، أو كان شخصًا يَشِحُّ بذلك وعلم من حاله ذلك أو شكَّ فيه لم يَجُزْ للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه. شرح مسلم (7/112).
وقال المظهري -رحمه الله-:
إذا كان إنفاق الزوجة والخادم بإذن الزوج والمولى؛ لا شك في أن يكون لكل واحد من الزوج والزوجة والخادم نصيب من الأجر، وأما إذا أنفقت المرأة بغير إذن زوجها يحصل لها مظلمة وإثم، لا يجوز لها أن تتصدق بشيء من مال زوجها، لا القليل ولا الكثير، ولا الرطب ولا اليابس.
وفسر بعض الناس هذا الحديث: بأن ينفق طعامًا، نحو مرقة ورُطَبٍ وعنب وبطيخ، وما أشبه ذلك مما يفسد لو بقي في البيت.
فقال هذا القائل: جاز لها أن تتصدق بهذه الأشياء بغير إذن زوجها، وهذا القول ليس بشيء؛ بل لا يجوز لها التصدق بشيء من مال زوجها بغير إذنه أصلًا. المفاتيح في شرح المصابيح (2/554 -555).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: أحاديث هذا الباب جاءت مختلفة؛ فمنها: ما يدل على منع المرأة أن تنفق من بيت زوجها إلا بإذنه، وهو حديث أبي أمامة رواه الترمذي ... قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته عام حجة الوداع: «لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: ذاك أفضل أموالنا»...
ومنها: ما يدل على الإباحة بحصول الأجر لها في ذلك، وهو حديث عائشة المذكور.
ومنها: ما قُيِّدَ فيه الترغيب في الإنفاق بكونه بطيب نفس منه، وبكونها غير مفسدة، وهو حديث عائشة أيضًا، رواه الترمذي من حديث مسروق عنها، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة...» الحديث.
ومنها: ما هو مقيد بكونها غير مفسدة، وإن كان من غير أمره، وهو حديث أبي هريرة رواه مسلم من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَصُمِ المرأة وبعلُها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له».
ومنها: ما قيد الحكم فيه بكونه رطبًا، وهو حديث سعد بن أبي وقاص، رواه أبو داود...، قال: لما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مُضَر فقالت: «يا نبي الله إنّا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا»، قال أبو داود: وأرى فيه «وأزواجنا؛ فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: الرطب تأكلنه وتهدينه»، قال أبو داود: الرَّطْبُ: الخبز والبقل والرُّطَب.
قلتُ: الرطب الأول، بفتح الراء والثاني بضمها، وهو رطب التمر، وكذلك العنب وسائر الفواكه الرطبة دون اليابسة.
قلتُ: كيفية الجمع بينها: أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد، وباختلاف حال الزوج من مسامحته، ورضاه بذلك أو كراهته لذلك، وباختلاف الحال في الشيء المنفق بين أن يكون شيئًا يسيرًا يتسامح به، وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا يخشى فساده إن تأخر، وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه الفساد. عمدة القاري (8 /292).
وقال البغوي -رحمه الله-:
العمل على هذا عند عامة العلماء: أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إذنه، وكذلك الخادم، ويأثمان إن فعلا ذلك، وحديث عائشة -رضي الله عنها- خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في الإنفاق والتصدق، مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل، أو نزل بهم الضيف، فحضَّهم على لزوم تلك العادة، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لأسماء -رضي الله عنه-: «لا تُوْعِي فيُوْعَى عليك»، وعلى هذا يخرج ما روي عن عمير مولى آبي اللحم، قال: كنت مملوكًا، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتصدق من مال موالي بشيء؟ قال: «نعم، والأجر بينهما نصفان». شرح السنة (6/ 205).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
هذا الكلام خارج على عادة الناس بالحجاز، وبغيرها من البلدان؛ في أنّ ربَّ البيت قد يأذن لأهله ولعياله وللخادم مما يكون في البيت من طعام وإِدَام ونحوه، ويطلق أمرهم في الصدقة منه إذا حضرهم السائل، ونزل بهم الضيف، فحضهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لزوم هذه العادة، واستدامة ذلك الصنيع، ووعدهم الأجر والثواب عليه، وأفرد كل واحد منهم باسمه؛ ليتسارعوا إليه، ولا يتقاعدوا عنه. معالم السنن (2/78).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن العربي: اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يُؤْبَه له، ولا يظهر به النقصان، ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال وهو اختيار البخاري؛ ولذلك قيد الترجمة بالأمر به، ويحتمل: أن يكون ذلك محمولًا على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه، ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن: النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يَفْتَئِتُوا (ينفردوا) على ربِّ البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن، ومنهم من فرق بين المرأة والخادم، فقال: المرأة لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها، فجاز لها أن تتصدق؛ بخلاف الخادم، فليس له تصرف في متاع مولاه، فيشترط الإذن فيه، وهو مُتَعَقَّبٌ بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت. فتح الباري (3/303).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون الزوج بخيلًا لا يرضى بأن تبذل شيئًا أو غير بخيل، ولكن هل هو مراد؟
الظاهر: أنه غير مراد؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا برضاه؛ كما قال تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} النساء: 29، فلا بد من الرضا، فإذا علمت أن الزوج بخيل لا يرضى أن تتصدَّق ولو بتمرة فلا تتصدق. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/117).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبين بما سبق من الأدلة، وأقوال أهل العلم: أن تَصَدُّق المرأة والخادم من مال الرجل جائز، لكن بشرطين:
أحدهما: الإذن صريحًا أو دلالة؛ وذلك بأن يجري العُرْف في التصدق بمثله، فيجري ذلك مجرى الإذن الصريح.
والثاني: عدم الإفساد، وهذا مجمع عليه، وبهذا تجمع الأدلة دون أن تتعارض. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج(19/496).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
الذي تستريح إليه النفس أن مدار الجواز وعدم الجواز: الإفساد وعدم الإفساد، ولست أرى أن السعي لتحقيق نفع دائم أُخروي بديلًا عن نفع زائل دنيوي، لست أرى في هذا إفسادًا، ما دام في الحدود المسموح بها عرفًا، ولا يشترط الإذن ولا الرضا، فقد رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزوج أبي سفيان أن تأخذ لها ولبنيها من مال أبي سفيان بالمعروف بدون إذنه وبدون علمه وبدون رضاه.
وهل إذا أجرينا عملية جراحية لإنسان بدون علمه أو بدون رضاه، وفيها صحته وصالحه يكون هذا من الإفساد؟ أعتقد أن لا.
كل ما في الأمر ألا يترتب على هذا الإحسان ضرر، وظواهر الأحاديث تؤيد ذلك، فالتقييد بغير مفسدة لا معنى له سوى هذا، ولو أننا اشترطنا الإذن المسبق لم يكن فرق بين أجنبي يقوم بذلك وبين زوجة وخادم. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (4/376-377).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
هذا الحديث: فيه دلالة على الجواز بالتصدق بغير أمره. الكاشف عن حقائق السنن (5/1568).
وقال المغربي -رحمه الله-:
والحديث فيه: دلالة على أن للمرأة أن تتصدق من الطعام الذي قد صار لها فيه تصرف بصنعته للزوج، ومن تعلق به بشرط أن لا يكون ذلك مُضِرًّا بنفقتهم. البدر التمام (4/374).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في الحديث: فضل الأمانة وسخاوة النّفس، وطيب النّفس في فعل الخير والإعانة على فعل الخير.فتح الباري (3/304).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وفي الحديث: صدقة المرأة من غير إذن زوجها، وإنما يباح ما يعلم أن نفسه تطيب به، ولا يَشِحُّ بمثله فيؤجر كل منهما؛ لتعاونه على الطاعة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/77).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دل الحديث: على ترغيب المرأة والخادم في إكرام السائل وعدم رده خائبًا؛ بإعطائه مطلوبه إذا لم يتجاوز العادة والعُرْف، وعُلِمَ من حال المالك بالسماح بذلك؛ لما يترتب على ذلك من الأجر والثواب. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (9/337).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده (أي: هذا الحديث): منها:... جواز صدقة المرأة من بيت زوجها، وهذا محمول على ما إذا أَذِنَ لها الزوج، إما صريحًا أو دلالة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (22/389).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
ومنها (يعني: فوائد الحديث): ترغيب المرأة في التصدق مما في بيتها إذا أَذِنَ لها، أو بما جرى به العُرْف.
ومنها: ترغيب الخادم في التصدق من مال سيده إذا أَذِنَ له، أو بما جرى به العُرْف أيضًا.
ومنها: حث الرجل على أن يسمح لأهل بيته بالتصدق على الفقراء والمساكين، وأن له بذلك الأجر والثواب. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/492).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل الحديث على ما يأتي:
أولًا: أن المسلم إذا أمر خادمه بالصدقة أو أَذِنَ له فيها، وأخرجها عنه قُبِلَت صدقته، وكان له ثوابها كما لو كان أخرجها بنفسه؛ لقوله: «وللخازن مثل ذلك» أي: يكون للرجل أجر الصدقة، وللخادم أجر إخراجها، وهو ما ترجم له البخاري، ويؤكد ذلك صراحةً قوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية أخرى: «الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أُمِرَ به، فيدفعه إلى الذي أُمِرَ به أحد المتصدقين» أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
ثانيًا: أن ظاهر الحديث يدل على أنه يجوز للزوجة الإِنفاق من طعام زوجها بإذنه، أو بغير إذنه، ما لم يكن هناك إسراف، لكن ليس على إطلاقه، وإنما هو محمولٌ على ما إذا أَذِنَ الزوج بالإِنفاق، أو عُلِمَ رضاه عنه. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/23).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا