الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا أَتَى أَحَدُكُم الصَّلاةَ والإمامُ على حالٍ؛ فَلْيَصْنَعْ كما يَصْنَعُ الإمامُ»


رواه الترمذي برقم: (591) عن علي ومعاذ -رضي الله عنهما-.
صحيح سنن الترمذي برقم: (591)، مشكاة المصابيح برقم: (1142).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «إذا أتى أحدكم الصلاة»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يعني: التي يريد أن يصليها مع هذا الإمام. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 297).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إذا أتى أحدكم الصلاة» أي: نوى وكبر للإحرام. شرح مصابيح السنة (2/129).

قوله: «والإمام على حال»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الأظهر أن معناه: إذا جاء أحدكم الصلاة «والإمام على حال» أي: من قيام أو ركوع أو سجود أو قعود. مرقاة المفاتيح (3/ 879).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«والإمام على حال» الجملة هذه في محل نصب على الحال، يعني: والحال أن الإمام على حاله قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا أو قاعدًا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 297).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«والإمام على حال» أي: من أحوال الصلاة، كالقيام أو الركوع، أو الرفع منه، أو السجود، أو الجلسة بين السجدتين، أو التشهد، أو غيره. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (2/ 132).

قوله: «فليصنع كما يصنع الإمام»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«فليصنع» هذا جواب الشرط؛ ولهذا قُرن بالفاء، ومعلوم أن جواب الشرط هنا يجب اقترانه بالفاء؛ لأنه صار طلبيًّا فوجب قرنه بالفاء. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 297).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
«كما يصنع الإمام» «كما» (الكاف) لا شك أنها حرف جر، لكن (ما) التي بعدها هل هي مصدرية أو اسم موصول؟
الجواب: أنها يجوز أن تكون مصدرية، ويجوز أن تكون اسمًا موصولًا، ولكن لو ذكر العائد لتعيَّن أن تكون اسمًا موصولًا، لو قال: كما يصنعه الإمام لتعيَّن أن تكون اسمًا موصولًا؛ لأن الضمير لا يعود إلا على اسم، ولما لم يذكر العائد جاز أن تكون مصدرية، يعني: حرف مصدر، أي: فليصنع كصنع الإمام. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 297).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فليصنع كما يصنع الإمام» أي: فليوافق الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك. شرح مصابيح السنة (2/129).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فليصنع كما يصنع الإمام» أي: فليقتدِ به في أفعاله، ولا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه. مرقاة المفاتيح (3/ 879).
وقال محمد بن عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«فليصنع كما يصنع الإمام»... أي: فلا ينتظر الإمام إلى القيام كما يفعله العوام. تحفة الأحوذي (3/162).
وقال المظهري -رحمه الله-:
ثم إنْ أدرك الركوع احتسب له تلك الركعة، وإن أدركه بعد الركوع فليوافقه، ولم يحتسب له تلك الركعة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 245).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «فليصنع كما يصنع الإمام» فيه مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه؛ من غير فرق بين الركوع والسجود والقعود؛ لظاهر قوله: «والإمام على حال»، والحديث وإن كان فيه ضعف -كما قال الحافظ- لكنه يشهد له ما عند أحمد وأبي داود من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ قال: «أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال»، فذكر الحديث، وفيه: «فجاء معاذ فقال: لا أجده على حال أبدًا إلا كنت عليها، ثم قضيت ما سبقني، قال: فجاء وقد سبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعضها، قال: فقمت معه، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قام يقضي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قد سنَّ لكم معاذ، فهكذا فاصنعوا»...
وقالت الهادوية: إنه يقعد ويسجد مع الإمام، ولا يحرم بالصلاة، ومتى قام الإمام أحرم، واستدلوا بقوله في حديث أبي هريرة: «ولا تعدوها شيئًا»، وأجيب عن ذلك بأن عدم الاعتداد المذكور لا ينافي الدخول بالتكبير، والاكتفاء به. نيل الأوطار (3/181- 182).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فليصنع كما يصنع الإمام» أي: ليكبر تكبيرة الإحرام، ويوافق الإمام فيما هو من القيام أو الركوع أو غير ذلك، ولا يخالفه بأداء ما سبق من الصلاة، بل يدخل معه في الفعل الذي يؤديه، فيتبعه في القيام والقعود والركوع والسجود، ولا ينتظر رجوع الإمام إلى القيام، كما يفعله العوام. مرعاة المفاتيح (4/99).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فليصنع كما يصنع الإمام» أي: ليكبر تكبيرة الإحرام، ويوافق الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو السجود، أو غير ذلك، ولا ينتظر إتمام الركعة أو الركعتين، لكن الركعة تحسب بالدخول في الركوع. لمعات التنقيح (3/ 266).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «فليصنع كما يصنع الإمام» هذا يعُمُّ قبل الافتتاح وبعده، يعني: ليس له أن ينتظر قيام الإمام قبل الافتتاح ولا بعده، بل يكبِّر كما جاء، ويشترع مع الإمام في الذي يصنعه؛ لأن في قيامه هناك منتظرًا له مخالفة المسلمين، وتأخير العبادة؛ ولذلك قال بعضهم: لعله لا يرفع رأسه حتى يُغفَر له. الكوكب الدري على جامع الترمذي (1/ 470).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي الحديث: دلالة على أنه يجب على من لَحِقَ بالإمام أن ينضم إليه في أي جزء كان من أجزاء الصلاة، فإذا كان الإمام قائمًا أو راكعًا، فإنه يعتد بما أدركه معه كما سلف، فإذا كان قاعدًا أو ساجدًا قعد بقعوده، وسجد بسجوده، ولا يعتدُّ بذلك، وتقدَّم ما يؤيده من حديث ابن أبي شيبة: «ومَن وجدني قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها».
وأخرج ابن خزيمة مرفوعًا عن أبي هريرة: «إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئًا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة». سبل السلام (1/384).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
ليس صريحًا أنه يدخل معه بتكبيرة الإحرام؛ بل ينضم إليه، إما بها إذا كان قائمًا أو راكعًا، فيكبر اللاحق من قيام ثم يركع، أو بالكون معه فقط، ومتى قام كبر للإحرام، وغايته أنه يحتمل ذلك؛ إلا أنَّ شرعية تكبيرة الإحرام حال القيام للمنفرد والإمام يقتضي أن لا تجزئ إلا كذلك؛ وذلك أصرح من دخولها بالاحتمال. سبل السلام (1/384).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«فليصنع كما يصنع الإمام» يدل على أنه يدخل ولو في التشهد؛ لا سيما على قول من يقول: إن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء من الصلاة.
أما من يقول: إن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بركعة، ويغلب على ظنه أنه يلحق بجماعة أخرى، فيكون مدركًا لها بيقين- فهؤلاء يقولون: ينتظر ليدرك الجماعة بيقين. شرح المحرر (3/ 23).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هذا الحديث معناه واضح، وهو: أن المشروع في حق الإنسان الآتي إلى الصلاة أن يدخل مع الإمام على أي حال يجده، ولكنه -كما ترونه- ضعيف السند، لكنه صحيح المتن، فإنه سبق أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا».
إذًا معناه: أننا إذا أتينا والإمام على حال نصنع كما يصنع الإمام، لا نقول: إن هذا الجزء من الصلاة لا تدرك به الركعة؛ فلا تدخل مع الإمام فيه كما يفعله بعض العامة، إذا جاء والإمام ساجد قال: هذا ليس ينفعني فلن أدخل مع الإمام، نقول: أنت الآن خالفت السُّنة وحرمتَ نفسك الثواب؛ لأنك إذا سجدت لله قد تكون هذه السجدة سببًا في أن يرفعك الله بها درجات؛ فلا تحرم نفسك هذه السجدة، وهو أيضًا فيه ذكر وفيه دعاء، والجلوس بين السجدتين فيه دعاء؛ فكيف تحرم نفسك؟! لكن الشيطان يدخل على بني آدم فيجعله واقفًا والإمام ساجدٌ؛ يقف فقط ليحرم نفسه الخير، لا يدخل مع الإمام، وهذا خطأ مخالف للسُّنة، وحرمان لنفسه من الأجر، فالدخول معه على أي حال هو السُّنة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 298).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وفي الحديث: دلالة على صحة دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة، بل على شرعية ذلك؛ إذ الأمر أقل مراتبه الندب، والظاهر: أنه متفق على ذلك إذا كان الإمام قائمًا أو راكعًا، وأنه يعتد به؛ إلا ما روي عن أبي هريرة -وهو موقوف عليه-: أنه لا يعتدُّ بالركوع. البدر التمام (3/ 365).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وفيه: دلالة لقول أئمتنا: مَن أدرك الإمام في الاعتدال مثلًا لزمه متابعته في أفعاله، وإن لم تُحْسَبْ للمأموم، ويُسّنُّ له أن يتابعه في الأقوال، كالتسبيحات والتشهد والقنوت.
وقيل: تجب الموافقة في التشهد الأخير، وغَلِطَ قائله، واعتَرَضَ ندبَ الموافقة في التشهد الأخير بأن فيه تكرير ركن قولي، وهو مُبْطِلٌ على قول، ويُرَدُّ بمنع جريان هذا القول في هذه الحالة، وعلى تسليمه فهو شاذٌّ حينئذٍ، فلا يراعى؛ لهذا الخبر المقتضي لوجوب الموافقة فيه، وفي غيره، فضلًا عن ندبها، ويجاب أنه يستنبط من النص معنى تخصيصه؛ وذلك أن المخالفة في الفعل ولو غير محسوب للإمام فيها فحش مخالفة، فامتنعت بقيدها السابق، ولا كذلك المخالفة في القول. فتح الإله شرح المشكاة (4/424).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد، ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام، واختار عبد الله بن المبارك أن يسجد مع الإمام، وذَكَرَ عن بعضهم فقال: لعله لا يرفع رأسه في تلك السجدة حتى يُغفَر له. سنن الترمذي (2/485).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
إنَّ هذا الحديث يشهد لمعناه قوله: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا» الحديث، ويشهد له من النظر: أنَّ الرجل إذا وجد الإمام ساجدًا أن يسجد معه؛ لأنه لا يعلم هل هي آخر سجدة، أو أولها، أو أوسطها، وذكر أبو عيسى عن بعضهم أنه قال: لعله لا يرفع رأسه من تلك السجدة حتى يُغفَر له، واختار ابن المبارك أنْ يسجد معه، وهو الذي أراه، ثم يقع النظر بعد ذلك في الإجزاء وعدمه، وفي الاعتداد به أم لا يعتد به، وفي كونه مدركًا أو غير مدرك على ما بَيَّنَّاه قبل، وبذلك أقول: ولو لم يدرك معه إلا السلام. عارضة الأحوذي (2/ 61-62).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يستفاد هذا الحديث -على ما فيه من ضعف-: أن الإنسان لا ينبغي له أن ينفرد عن الجماعة حتى فيما لا يدرك الجماعة فيه؛ لقوله: «فليصنع كما يصنع الإمام». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 298).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
وهل يؤخذ منه أنك تدخل مع الإمام، وإن لم تُدْرك الصلاة جملة، ولا تَقُلْ: أذهب إلى مسجد آخر أو لا تدخل؟ يعني: رجل عرف أنه الآن في التشهد الأخير، وعرف أن هناك مسجدًا آخر يدرك الجماعة كاملة؛ فهل نقول: ادخل معه أو لا تدخل معه؟
إن نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا: يدخل معه، ويكون هذا الرجل اتقى الله ما استطاع، ويكون فعل ما أمر به، وكونه يدرك أو لا يدرك هذا شيءٌ آخر، وإذا نظرنا إلى أن الجماعة واجبة، ولا بد من إدراكها- قلنا له: الآن لا يستفيد بهذا الدخول شيئًا من إدراك الجماعة؛ فاذهب إلى المسجد الآخر.
ولكن إذا قال: أنا لا أدري هل أدرك مسجدًا آخر أو لا؟
نقول له: ادخل مع الإمام ولو في التشهد الأخير، وكونك تدرك شيئًا من الصلاة خير لك من ألَّا تدرك شيئًا أبدًا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 298).


ابلاغ عن خطا