الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«سمعتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ينهى عن القَزَعِ»، قال عُبَيدُ اللَّهِ: قلتُ: وما القَزَعُ؟ فأشارَ لنا عُبَيدُ اللَّهِ قال: إذا حَلَقَ الصَّبِيَّ، وتَرَكَ ها هنا شعرةً وها هنا وها هنا، فأشارَ لنا عُبَيدُ اللَّهِ إلى ناصيَتِهِ وجانبَيْ رأسِهِ، قيل لعُبَيدِ اللَّهِ: فالجاريةُ والغلامُ؟ قال: لا أدري، هكذا قال: الصَّبِيُّ، قال عُبَيدُ اللَّهِ: وعاودْتُهُ، فقال: أمَّا القُصَّةُ والقَفَا للغلامِ فلا بأسَ بهما، ولكنَّ القَزَعَ أنْ يُتْرَكَ بناصيَتِهِ شَعرٌ، وليس في رأسِهِ غيره، وكذلك شِقُّ رأسِهِ هذا وهذا».


رواه البخاري برقم: (5920) واللفظ له، ومسلم برقم: (2120)، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
وفي مسلم: قلتُ لنافعٍ: وما القَزَعُ؟ قال: «يُحْلَقُ بعضُ رأسِ الصَّبِيِّ ويُتْرَكُ بعضٌ».


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«القَزَعُ»:
أنْ يُحْلَقَ رأسُ الصبيِّ ويُتْرَكَ منه مواضِعَ فيها الشَّعْر متفرقة، وكذلك كل شيء يكون قِطَعًا متفرقة فهو قَزَع، ومنه قيل لقِطَعِ السحاب في السماء: قَزَعٌ. غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 185).

«نَاصِيَتِهِ»:
أي: مُقَدَّم رأْسِه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 244).
والنَّاصِيةُ عند العرب: مَنْبَتُ الشَّعْر في مُقَدَّم الرأس، لا الشَّعر الذي تسميه العامة النَّاصِية، وسُمِّيَ الشَّعر ناصيةً لنَبَاتِه في ذلك الموضع. وقد قيل في قوله: {يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} العلق: 15، أي: لنُسَوِّدَنَّ وجْهَه، فكَفَتْ الناصية؛ لأنها من الوجه. تهذيب اللغة، للأزهري (12/ 171).

«جَانِبَيْ»:
الجَانِبُ: شِقُّ الإنسان وغيره. المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (7/ 460).

«الجَارِيَة»:
الجارية الفتاة الصغيرة. شمس العلوم، لنشوان الحميري (2/ 1048).

«القُصَّةُ»:
بالضم شَعْرُ الناصية. مختار الصحاح، للرازي (ص: 255).

«القَفَا»:
مُؤَخَّرُ العُنُقِ. تهذيب اللغة، للأزهري (9/ 246).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
القَفَا: مُؤَخَّرُ الرأس والعُنُقِ، كأنه شيء يَقْفُو الوجه. مقاييس اللغة (5/ 112).

«شِقُّ رأسِهِ»:
بكسر الشين المعجمة وفتحها، أي: جَانِبُهُ. إرشاد الساري، القسطلاني (8/ 471).
والشِّقُّ بالكسر نِصْفُ الشيء، والشِّقُّ أيضًا الناحية من الجَبَلِ. مختار الصحاح، للرازي (ص: 167).


شرح الحديث


قوله: «قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن القَزَع»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «نهى عن القَزَعِ» بفتح القاف والزاي المعجمة، جمْعُ: قَزَعَة، وهي قطعة من السحاب، شِبَّه كلَّ قطعة من شَعْرِ المحْلوقِ ما حوله بقطعةٍ من السحاب.
وجْهُ كراهية القَزَع: تقبيح الصورة؛ فإنَّ في القَزَعِ تقبيحًا للصورة؛ لأن القَزَعَ من عادة الكفرة. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 41).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
القَزَعُ: حَلْقُ بعض الرأس مطلقًا وهو الأصح؛ لأنه تفسير الراوي، وهو غير مخالِف للظاهر، فوجب العمل به، وأجمعوا على كراهة القَزَعِ إذا كان في مواضع متفرقة، إلا أن يكون لِمُداواةٍ، وهي كراهة تنزيه. شرح المشكاة (9/ 2926).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«القَزَع»: بفتح القاف والزاي وسكونها وبالمهملة حَلْقُ بعض الشَّعْر وترك البعض، لكن الراوي فَسَّرَهُ بأن يَحْلِقَ رأسَ الصبي، ويترك في مواضِعَ منه الشَّعْر متفرقًا وهذا هو الأصح.
والحكمة في كراهته: أنه تشويه الخَلْق، أو أنه زِيِّ أهل الشطارة الشاطر: الذي أعيى أهله خُبثًا أو زِيِّ اليهود. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 121).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقوله: «نهى ‌عن ‌القَزَعِ» بفتح القاف والزاي، قال الإمام: إذا كان ذلك في مواضع كثيرة فمنهي عنه بلا خلاف، وقال نافع: هو أن يُحْلَقَ بعضُ رأسِ الصَّبيِّ ويُتْرَكُ بعضُه"، وإن لم يكن كذلك كالناصية وشبهها، فاختلف في جوازه. قال القاضي (عياض): ومذْهَب مالك مَنْعُه، وقال (مالك): هو مِن جِهة القَزَعِ، وكَرِهَهُ (أي: مالك) في الجارية والغلام. إكمال المعلم (6/ 648).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال العلماء: والحكمة في النهي عنه: أنه تَشْوِيهٌ للخَلْقِ، وقد روى أبو داود في حديث المعنى الذي مِن أَجْلِهِ نهى عنه، فقال: حدثنا الحلواني: ثنا يزيد بن هارون، ثنا الحجاج بن حسان، قال: دخلنا على أنس بن مالك، فقال: حدثَتْنِي أختي -المغيرةُ- قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت يومئذٍ غلام ولك قَرْنَانِ، فمَسَحَ رأْسَك وبرَّكَ عليك، وقال: «احْلُقُوا هذَيْنِ أو قُصُّوهما؛ فإن هذا زِيّ اليَهُود».
وقيل: إنه زِيُّ أهل الشر والدعارة.
وحقيقته: حَلْقُ بعض الرأس مطلقًا، وقيل: إنه حَلْقُ بعض مواضع مُتَفَرِّقَة منه، وهو قول الغزالي في الإحياء. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 156).
وقال عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-:
ويُكْرَهُ القُزْعُ: وهو أن يُحْلَقُ بعضُ الشَّعْرِ ويُتْرَكُ بعضُه؛ لما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنه ‌نهى ‌عن ‌القَزَعِ».
وأما حَلْقُ القَفَا فمكروه إلا في الحجامة خاصة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن حَلْقِ القفا إلا في الحجامة؛ لأنه مِن فِعْلِ المجوس، وكان أبو عبد الله أحمد يَحْلقُه في الحجامة؛ ولأن ذلك في حال الضرورة. الغنية لطالبي طريق الحق (1/ 46).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
فأما حَلْقُ بعض الرأس فمكروه، ويُسمى القَزَعُ؛ لما ذكرنا من حديث ابن عمر، ورواه أبو داود، ولفظه: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‌نهى ‌عن ‌القَزَعِ».
وقال: «احْلُقْهُ كلَّه أو دَعْهُ كلَّهُ»، وفي شروط عمر على أهل الذِّمة: أن يَحْلِقُوا مَقَادِمَ رءوسهم؛ ليتمَيَّزوا بذلك عن المسلمين، فمَن فَعَلَه من المسلمين كان متشَبِّهًا بهم. المغني (1/ 123).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
مذهب الفقهاء والمختار عند الأصوليين: أن هذه الصيغة -أعني: «نهى»- مُنَزَّلةٌ مَنْزلةَ حكايته صيغة لفظ النهي من النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وربما نازَعَ فيه قوم؛ لاحتمال اعتقاد ما ليس بنهيٍ نهيًا، وهو ضعيف؛ لأن معرفةَ الراوي باللغة طبعًا، وتحرُّزَهُ عن المجازفة شرعًا، وتحسين الظن به يُبعِد ذلك، فإن وقع دليلٌ يدل على هذا الاحتمال ورُجّحَ على ما ذكرناه، قُدِّم حيث وُجدَ ذلك بخصوصه لا مطلقًا. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 371).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
لا خلاف أنه إذا حُلِقَ من الرأس مواضع، وأُبْقِيَتْ مواضع أنه القَزَعُ المنهي عنه؛ لِمَا عُرِفَ من اللغة كما نقلناه؛ ولتفسير نافع له بذلك.
واختُلف فيما إذا حَلَقَ جميع الرأس وتَرَك منه موضعًا، كشَعْرِ الناصية، أو فيما إذا حَلَقَ موضعًا وحْدَه، وبقي أكثر الرأس، فمَنَع ذلك مالك، ورآه من القَزَعِ المنهي عنه.
وقال نافع: أما القُصَّة، والقَفَا للغلام: فلا بأس به، واختُلف في المعنى الذي لأجله كُرِهَ، فقيل: لأنه من زِيِّ أهل الرَّعارة الشراسة وسوء الخُلُق، وفي بعض النسخ: الدعارة، وهي الفسوق والخُبث والفساد، وفي كتاب أبي داود: أنه زِيُّ اليهود، وقيل: لأنَّه تَشْوِيْهٌ، وكأنَّ هذه العلة أَشْبَهُ؛ بدليل ما رواه النسائي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى صبيًّا حُلِقَ بعضُ شَعْرِهِ، وتُرِكَ بعضُه، فنهى عن ذلك، وقال: «اتْرُكُوه كلَّه، أو احلقوه كلَّه». المفهم (5/ 441-442).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وهذا الحديث يشهدُ لمن يقول بكراهة حَلْقِ البعض، وتَرْكِ البعض من غير اشتراطٍ للكثرة والتفرق، إلَّا أنَّه لا يلزم أن يكون هو القَزَعَ المذكور فيه بذلك اللفظ.
ويمكن عندي أن تكون العلةُ في كراهة القَزعِ وحَلْقِ البعض، وتركِ البعض: دخولَهُ في تغيير خَلْقِ الله تعالى الذي دلَّت الآيةُ الكريمة على نِسْبَتِهِ للشيطان، والذي يدلُّ عليه قولُه -صلى الله عليه وسلم-: «لَعَنَ اللهُ الواشمةَ والمُستوشِمَةَ...» إلى أن قال: «والمُتَنَمِّصاتِ الْمُغَيِّراتِ خَلْقَ اللهِ»، فوصف جميعهن بكونهن مُغَيِّراتٍ لخَلْقِ الله، ومنهنَّ من تحلِقُ بعضَ حاجِبِها وتَتْرُكُ بعْضَه، فالنصُّ دالٌّ على أنَّه داخل في تغيير خَلقِ الله، وهذا موجودٌ في القزع. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 378-379).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- أيضًا:
النهي عن القزع لا بدَّ فيه من إضمار بتقدير: النهي عن فِعْلِ القَزَعِ، فهل تدْخُل تحته إزالةُ ما تقزَّع من شَعْرِ الرأس من غير فعل فاعِل؛ كما لو وُلد كذلك، أو طَرَأَتْ عِلَّةٌ أَوْجَبَتْ ذلك؟
أما على ما قررناه فلا يدخل، وقد صحَّ في حديثٍ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رأى مَنْ حَلَقَ بعضَ شَعْرِه، وتركَ بعضه، فنهاهم عن ذلك وقال: «احْلقُوهُ كُلَّه، أو اتركُوهُ كُلَّه» وهذا أَيضًا إنما تناول ما فُعل، فإن أُريدَ الحُكم فيما لم يفعله فاعل، فليطلب دليله من وجه آخر؛ مثل أن نقولَ بعد أن يصح لنا التعليل بعلة تقتضي العموم: إن الحُكم يعمُّ بعموم عِلَّتِه، فيتناول ما فُعل وما لم يُفعل، فيقتضي إزالةَ القزع الذي لم يُفعل بالعِلَّة وعمومها بتناولِ اللفظ. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 380-381).

قوله: «قال عبيد الله: قلتُ: وما القَزَعُ؟ فأشار لنا عبيد الله قال: إذا حَلَقَ الصبيَّ، وتَرَكَ ها هنا شعرة وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصِيَتِهِ وجَانِبَي رأْسَه، قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري، هكذا قال: الصبي»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«قال: إذا حَلَقَ الصَّبيَّ» هذا تفسير من الراوي؛ وهو الأصح، والحكمة في كراهة القَزَع: تشويهُ الخِلْقَة، أو أنه زِيُّ أهل الشطارة، أو زِيُّ اليهود.
«إلى ناصِيَتِهِ وجانِبَي رأسه» أي: فَسَّر لفظة «هنا» الأولى: بالناصية، والثانية والثالثة: بجانِبَيْها، أي: تُرِكَ في كلٍّ منهما شَعْرٌ.
«الصبي» أي: وهو ظاهر في الغلام، ويحتمل أن يقال: إنه (فعيل) يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو هو الذات التي لها الصبا.
«القُصَّة»: بفتح القاف وشدة المهملة: شَعْرُ النَّاصِية. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 500).
وقال النووي -رحمه الله-:
وهذا الذي فَسَّرَهُ به نافع أو عبيد الله هو الأصح، وهو أن القزع حَلْقُ بعض الرأس مطلقًا، ومنهم من قال: هو حَلْقُ مواضعَ مُتفرقة منه، والصحيح الأول؛ لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالِف للظاهر، فوَجَبَ العمل به، وأجمعَ العلماء على كراهة القَزَع إذا كان في مواضع متفرقة، إلا أن يكون لِمُدَاواةٍ ونحوها، وهي كراهة تنزيه، وكرِهَهُ مالك في الجارية والغلام مطلقًا. شرح النووي على مسلم (14/ 101).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «قال عبيد الله: قلتُ: وما القزع؟» هو موصول بالإسناد المذكور، وظاهره أن المسؤول هو عمر بن نافع، لكن بيَّن مسلم أن عبيد الله إنما سأل نافعًا. فتح الباري (10/ 364).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
«فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيتِه وجَانِبَي رأسه» المجيب بقوله: «قال: إذا حَلَقَ» هو نافع، وهو ظاهر سياق مسلم من طريق يحيى القطان المذكورة لفظه: «قال: يَحْلِقُ بعضَ رأس الصبي ويَتْرُكُ بعضًا». قوله: «قيل لعبيد الله» لم أقف على تسمية القائل، ويحتمل أن يكون هو ابن جريج أَبْهَمَ نفسه، قوله: «فالجارية والغلام؟» كأن السائل فَهِمَ التخصيص بالصبي الصغير، فسأل عن الجارية الأنثى وعن الغلام، والمراد به غالبًا المراهق. فتح الباري (10/ 364-365).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
الظاهر أن التقييد برأس الصبي وقَعَ اتفاقًا؛ لأن العادة جرت بذلك، وإلا فالظاهر الكراهة ولو للرِّجَال؛ ولهذا وقع في بعض الروايات الفقهية مطلقًا، وقالوا: هو حَلْقُ الرأس من مواضع متعددة، ومع ذلك النهي راجع إلى فِعْلِ أولياء الصبي، كما ورد في الحديث الثاني؛ وذلك ظاهر.
وأما التقييد بمواضع متعددة فهو الموافق لأصل معناه، وهو قِطَع السحاب، والموافق لما في كتب اللغة والواقع في الروايات الفقهية، ولكن عبارة التفسير الواقع في الحديث: إما واقعًا من الراوي، أو مُلْحَقًا بأصل الحديث فهي مطلقة، لكن الشُّراح قيَّدُوها به جميعًا، واللَّه أعلم.
وعِلَّة الكراهة: أنه مِن عادة الكفار، ولِقَبَاحَة صورة، فتدَبَّرْ. لمعات التنقيح (7/ 408).

قوله: «قال عبيد الله: وعَاوَدْتُهُ، فقال: أما القُصَّةُ والقَفَا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القَزَعَ أن يُتْرَكَ بناصِيَتِهِ شَعْرٌ، وليس في رأسه غيره، وكذلك شِقُّ رأسه هذا وهذا»:
قال ابن حجر-رحمه الله-:
«قال عبيد الله: وعَاوَدْتُهُ» هو موصول بالسند المذكور، كأنَّ عبيد الله لما أجاب السائل بقوله: «لا أدري» أعاد سؤال شيخه عنه، وهذا يُشْعِرُ بأنه حدَّث عنه به في حال حياته، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر قال: وجعل التفسير من قول عبيد الله بن عمر، ثم أخرجه من طريق عثمان الغطفاني وروح بن القاسم كلاهما عن عمر بن نافع قال: وأَلْحَقَا التفسير في الحديث، يعني أَدْرَجَاهُ ولم يَسُقْ مسلم لَفْظَهُ. فتح الباري (10/ 364-365).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «القُصَّة» بضم القاف وشدة المهملة: شَعْرُ الناصية، فإن قلتَ: ما حاصل هذا الكلام؟ قلتُ: حاصله أن عبيد الله قال: قلت لشيخي عمر بن نافع: ما معنى القزع؟ فقال: هو أنه إذا حُلِقَ رأس الصبيِّ يُتْرك هاهنا شَعْرٌ، وهاهنا شَعْرٌ «فأشَار عبيد الله الله إلى ناصيته وطَرَفَي رأسه» يعني: فَسَّر لفظ (ها هنا) الأولى بالناصية، ولَفْظَتَيْهِ الثانية والثالثة بِجَانِبَيْهَا، فقيل لعبيد الله: فالجارية والغلام سواء في ذلك؟ فقال عبيد الله: لا أدري ذلك، لكنَّ الذي قاله هو لفظ الصبي، ولا شك أنه ظاهر في الغلام، ويحتمل أن يقال: إنه فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو هو للذَّات الذي له الصبا، فقال عبيد الله: فعَاوَدْتُ عمر فيه فقال: أمّا حَلْقُ القُصَّة وشَعْرِ القفا للغلام خاصة فلا بأس بهما، ولكن القزع غير ذلك. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 121-122).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقال نافع: «أما القُصَّة والقَفَا للغلام فلا بأس به، وأما أن يَتْرُكَ بناصيته شَعرًا دون غيرها فذلك القزع»، وقد ذكر مسلم في حديثٍ بعد هذا: أن التفسير مُلْحَقٌ في الحديث، يُريدُ لم يذكره من قول نافع، وقد ذكر بعضهم أن علة ذلك: أنه تشويه، وقال بعض العلماء: إن الكراهة في ذلك لعِلة؛ لأنه زِيُّ أهل الدعارة والشر، وأن الأمر في ذلك راجع إلى عادة البلاد، فحيث يكون زِيُّ غير هؤلاء، فلا ينبغي أن ينكر، وفي هذا نظر؛ لأن العوايد لا تُغَيِّرُ السنن، والنهي عن ذلك سنة مأثورة، وقد ذكر أبو داود فيه علة في الحديث وقال: إنه زِيُّ اليهود. إكمال المعلم (6/ 648-649)
وقال النووي -رحمه الله-:
وقال بعض أصحابه (أي الإمام مالِكٌ): لا بأس به في القُصَّةِ والقفا للغلام، ومذهبنا كراهته مطلقًا للرَّجُل والمرأة؛ لعموم الحديث.
قال العلماء: والحكمة في كراهته: أنه تشويه للخَلْقِ. وقيل: لأنه زي أهل الشَرّ والشطارة، وقيل: لأنه زِيُّ اليهود، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود، والله أعلم. شرح النووي على مسلم (14/ 101).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أما القُصَّة والقَفَا للغلام فلا بأس بهما» القُصَّة بضم القاف ثم المهملة والمراد بها هنا: شعر الصُّدْغَيْنِ، والمراد بالقَفَا شَعْر القَفَا، والحاصل منه: أنَّ القَزَعَ مخصوص بشَعر الرأس، وليس شَعر الصُّدْغَين والقفا من الرأس. فتح الباري (10/ 365).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «أما القُصَّة، والقفا للغلام، فلا بأس بهما» فأجازه هذا الراوي إذا كان في جوانب الرأس والقفا، ومَنَع عنه الحنفيَّة مطلقًا، فيجب عليه: إما أن يُحْلَقَ مُطلقًا، أو يُتْرك مطلقًا، ولا يجوز له حَلْقُ البعض، وتَرْكُ البعض مطلقًا. فيض الباري على صحيح البخاري (6/ 105).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقوله: «أما القُصَّة والقفا للغلام فلا بأس بهما»، القُصَّة -بضم القاف، ثم المهملة- والمراد بها هنا: شعر الصدغين، والمراد بالقفا: شَعر القَفا، والحاصل منه: أن القَزع مخصوص بشعر الرأس، وليس شعر الصدغين، والقفا منْ الرأس. وأخرج ابن أبي شيبة، مِنْ طريق إبراهيم النخعي، قَالَ: لا بأس بالقُصَّة، وسنده صحيح، وَقَدْ تُطلق القُصَّة عَلَى الشَّعْر المجْتَمِعِ الذي يُوضَع عَلَى الأُذُن مِنْ غير أن يُوصَل شَعْر الرأس، وليس هو المراد هنا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/ 17).


ابلاغ عن خطا