أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال في الذي يأتي امرأتَهُ في دُبُرِهَا: «هي اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى».
رواه أحمد برقم: (6967)، ورقم: (6706)، ورقم: (6968)، والنسائي في الكبرى برقم: (8947)، من حديث عبد الله بن عمرٍو -رضي الله عنهما-.
صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (2425)، غاية المرام برقم:(234).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«اللُّوطِيَّةُ»:
بالضم: اسم، مِن لَاطَ يَلُوطُ، إذا عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط. تاج العروس، الزبيدي (20/ 89).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
وَلَاطَ الرَّجُل لِوَاطًا وَلَاوَطَ أي: عَمِل عَمَلَ قوم لوط. لسان العرب (7/ 396).
شرح الحديث
قوله: «أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال في الذي يأتي امرأتَه في دُبُرِهَا: هي اللُّوْطِيَّةُ الصغرى»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
رواه بعض أصحابنا: «تلك الوَطِيَّة الصغرى» وفيه خطأ فاحش، وفيه ما يُوهِمُ إباحة ذلك الفعل، وإنما هو «تلك اللُّوْطِيَّة الصغرى» على التشبيه له بعمل قوم لوط. غريب الحديث (3/ 250).
وقال عبد الغني النابلسي (متصوف) -رحمه الله-:
وتسميته بالصغرى لا يقتضي أنه صغيرة، كما لا يقتضي تسمية الرياء بالشرك الأصغر أنْ يكون صغيرة، بل هما من الكبائر، وإنما لم يجب الحَدُّ في التَّلَوُّط بالحليلة (الزوجة) بل التعزير؛ لشُبْهَة التمتع، والحَدُّ يُدْرَأ بالشُّبْهَة. الحديقة الندية 5/63).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
وأما إتيان النساء في الأدبار: فهو اللُّوْطِيَّةُ الصغرى، وهو حرام بإجماع العلماء، إلا قولًا واحدًا شاذًا لبعض السلف، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. تفسير ابن كثير (3/ 446).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في تعداد الكبائر:
الكبيرة الخامسة والستون بعد المائة: إتيان الزوجة أو السُّرِّيَّة في دُبُرِها...
تنبيه: وعدَّ هذا (من الكبائر) هو ما صرح به غير واحد، وهو ظاهر -لِمَا علِمتَ من هذه الأحاديث الصحيحة- أنه كُفر، وأن الله لا ينظر لفاعله، وأنه اللِّوَاطِيَّة الصغرى، وهذا من أقبح الوعيد وأَشَدِّه.
فقول الجلال البلقيني في عَدِّ ذلك كبيرة: فيه نظر، وقد صرَّح شيخ الإسلام العلائي بأن ذلك ينبغي أن يُلْحَقَ باللواط؛ لأنه ثبت في الحديث لَعْنُ فاعِلِه. الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 46-47).
وقال ابن نجيم -رحمه الله-:
استحلال اللِّوَاطَةِ بزوجته كفر عند الجمهور. الأشباه والنظائر (ص: 160).
وقال الماتريدي -رحمه الله-:
وفي الحديث دليل أن الإتيان في غير موضع الحَرْثِ يَحْرُمُ منهن، وعلى ذلك جاءت الآثار أنها سُميت اللُّوطِيَّة الصغرى، وما جاء أنه نهى عن إتيان النساء في مَحَاشِّهِن، يعني: في أدبارهن، وفي بعض الأخبار: «إتيان النساء في أدبارهن كفر». تأويلات أهل السنة (2/ 137).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
وإباحة الإتيان في موضع الحرث يُشْبِهُ أن يكون تحريمَ إتيانٍ في غيره، فالإتيان في الدُّبر حتى يبْلُغَ منه مبلغ الإتيان في القُبُلِ محرم بدلالة الكتاب ثم السُّنة. الأم (6/ 244).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: عن رَجُلٍ ينكح زوجته في دبرها أحلال هو أم حرام؟
فأجاب:
وَطْءُ المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة، وهو قول جماهير السلف والخَلَفِ؛ بل هو اللُّوطِيَّة الصغرى، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن»، وقد قال تعالى:
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
البقرة:223، والحَرْثُ: هو موضع الولد؛ فإنّ الحَرْثَ هو محل الغرس والزرع، وكانت اليهود تقول: إذا أتى الرَّجُل امرأته من دُبرها جاء الولد أَحْوَلَ، فأنزل الله هذه الآية؛ وأباح للرَّجُل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها؛ لكن في الفَرْجِ خاصة، ومتى وَطِئَهَا في الدُّبُرِ وطاوَعَتْهُ عُزِّرَا جميعًا؛ فإن لم ينْتَهِيَا وإلا فُرِّقَ بينهما؛ كما يُفَرَّقُ بين الرَّجُل الفاجر ومَن يَفْجُرُ به، والله أعلم. مجموع الفتاوى (32/ 266-267).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
الوَطْءُ في الدُّبُر حرام في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين: من الصحابة والتابعين وغيرهم؛ فإن الله قال في كتابه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} البقرة:223، وقد ثبت في الصحيح: أن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرَّجُل امرأته في قُبُلهَا مِن دُبُرِهَا جاء الولد أَحْوَلَ، فسأل المسلمون عن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، والحرث موضع الزرع، والولد إنما يُزْرَع في الفَرْجِ لا في الدُّبُر، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} وهو موضع الولد، {أَنَّى شِئْتُمْ} أي: من أين شئتم: مِن قُبُلِهَا ومِن دُبُرِهَا، وعن يمينها وعن شمالها، فالله تعالى سمى النساء حَرْثًا؛ وإنما رخَّص في إتيان الحروث، والحرث إنما يكون في الفَرْجِ.
وقد جاء في غير أثر: أن الوَطْءَ في الدُّبُرِ هو اللُّوطِيَّة الصغرى، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في حُشُوشِهِنَّ»، والحُشُّ: هو الدُّبُر، وهو موضع القَذَرِ، والله سبحانه حرَّم إتيان الحائض مع أن النجاسة عارضة في فَرْجِهَا، فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة؟.
وأيضًا: فهذا من جنس اللواط، ومذهب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي وأحمد وأصحابه أن ذلك حرام لا نِزَاع بينهم، وهذا هو الظاهر من مذهب مالك وأصحابه؛ لكن حَكَى بعض الناس عنهم رواية أخرى بخلاف ذلك، ومنهم مَن أنكر هذه الرواية وطعَن فيها، وأصل ذلك: ما نُقل عن نافع أنه نَقَله عن ابن عمر، وقد كان سالم بن عبد الله يُكْذِّب نافعًا في ذلك، فإما أن يكون نافع غَلِطَ، أو غَلِطَ مَن هو فوقه، فإذا غَلِطَ بعض الناس غَلْطَةً لم يكن هذا مما يُسَوِّغُ خلاف الكتاب والسنة، كما أن طائفة غَلِطُوا في إباحة الدرهم بالدرهمين، واتَّفق الأئمة على تحريم ذلك؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الصحيحة، وكذلك طائفة غلطوا في أنواع من الأشربة. مجموع الفتاوى (32/ 267-268).
وقال ابن بلبان -رحمه الله-:
ويحرم وَطْؤُهَا (أي الزوجة) في الدُّبُر، فإنْ فَعَل عُزِّر، وهو من أكبر الكبائر، بل سمَّاه -صلى الله عليه وسلم-: «اللُّوطيَّةُ الصُّغْرى»، وإن تطاوَعَا عليه، أو أكرهها ونُهِيَ فلم يَنْتَهِ فُسِخَ نكاحهما. مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات (ص:394-395).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وقد ذهب إلى هذا (تحريم إتيان النساء في أدبارهن) العِتْرَةُ جميعًا، وأكثر الفقهاء قالوا: لقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} البقرة: 222، فشبَّهَهُنَّ بالحرث، والحرث المطلوب منه نبات الزرع، فكذلك النساء يكون الغرض مِن إتيانهن هو طلب التناسل لا قضاء الشهوة، وهذا لا يكون إلا في القُبُلِ، وهذا وإن لم يكن فيه تعَرُّضٌ لتحريم مَا عدا القُبُلِ، إلا أنه يُفَهَم من قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} البقرة: 222، أن الإباحة وقعت لذلك المحل، فيبقى ما عداه على التحريم؛ إذ الأصل هو تحريم المباشرة إلا ما أُحِلَّ بالعَقد، وهذا بيان لما حَلَّ بالعقد عليهن، فيُوقَف عليه، ولا يُقاس غيره عليه؛ لعدم المشابهة في كونه محلًّا للزرع، وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفَرْجِ فهو مأخوذ من دليل آخر، كما ورد في إباحة الاستمتاع بما عدا الفَرْجِ في حق الحائض...، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: سُئل عن الرَّجُل يأتي المرأة في دبرها، فقال: «هي اللُّوطِيَّة الصغرى»، وأخرجه النسائي أيضًا وأَعَلَّه، والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله، كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره.
وذهبَت الإمامية إلى حِلِّهِ في الزوجة وفي الأَمَةِ، بل وفي المملوك. البدر التمام شرح بلوغ المرام (7/ 199-200).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لم يختلف الفقهاء في الرَّتْقَاءِ التي لا يُوصَل إلى وَطْئِهَا أنه عيب تُرَدُّ منه، إلا شيئًا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجهٍ ليس بالقوي: أنه لا تُرَدُّ الرتقاء، ولا غيرها، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك؛ لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح.
وفي الإجماع هذا دليل على أنَّ الدُّبُر ليس بموضع وَطْءٍ، ولو كان موضع وَطْءٍ ما رُدَّتْ مَن لا يُوصَلُ إلى وَطْئِهَا في الفَرْجِ. الاستذكار (5/ 423).
وقال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله-:
وما نُسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل، وهم مُبرَّؤُون من ذلك؛ لأن إباحة الإتيان مخْتَصَّة بموضع الحَرْث؛ لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} البقرة:223؛ ولأن الحكمة في خلق الأزواج: بَثُّ النَّسْلِ، فغير موضع النسل لا ينالُه مَالِكُ النكاح، وهذا هو الحق.
وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا وَلَائِطُ الذَّكَرِ سواء في الحكم؛ ولأن القَذَر والأذى في موضع النَّجْوِ أكثر من دم الحيض، فكان أشْنَعُ، وأما صِمَامُ البول فغير صِمَامِ الرَّحِمِ. تفسير القرطبي (3/ 94).
وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله- أيضًا بعد ذكر التحريم:
وهذا هو الحق المتَّبَعُ والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعَرِّجَ في هذه النازلة على زلة عالِمٍ بعد أن تَصِحَّ عنه، وقد حذَّرْنَا مِن زلة العالِمِ، وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير مَن فَعَله، وهذا هو اللائق به -رضي الله عنه-، وكذلك كذَّبَ نافعٌ مَن أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي، وقد تقدم، وأنكر ذلك مالِكٌ واستَعْظَمَه، وكذَّب مَن نَسَبَ ذلك إليه. تفسير القرطبي (3/ 95).
قال ابن الحاج -رحمه الله-:
وليحذر أن يفعل مع زوجته أو جاريته هذا الفعل القبيح الشّنيع الذي أَحدثه بعض السُّفهاء، وهو إتيان المرأة في دبرها، وهي مسألة مُعضلة في الإسلام، وليتهم لو اقتصروا على ذلك لكنهم نسبوا ذلك إلى الجواز، ويقولون: إِنه مروي عن مالك - رحمه الله -، وهي رواية مُنكرة عنه لا أصل لها؛ لأن مَن نَسبها إلى مالك إنما نسبها لكتاب السِّر، وإن وجد ذلك في غيره فهو مُتقوّل عليه، وأصحاب مالك - رحمه الله - مطبقون على أن مالكًا لم يكن له كتاب سِر، وفيه من غير هذا أشياء كثيرة مُنكرة يجلُّ غير مالك عن إباحتها فكيف بمنصبه، وما عرف مالك إلا بنقيض ما نقلوا عنه.المدخل (2/192)
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وأما الدُّبُر: فلم يُبَحْ قطُّ على لسان نبيٍّ من الأنبياء، ومَن نَسَبَ إلى بعض السلف إباحةَ وَطْءِ الزوجة في دبرها فقد غَلِطَ عليه، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا»...
قلتُ: ومِن هاهنا نَشَأَ الغلط على مَن نُقِلَ عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقًا إلى الوطء في الفَرْجِ، فيَطَأُ مِن الدُّبر لا في الدُّبر، فاشْتَبَه على السامع (مِنْ) بـ (فِي)، ولم يَظُنَّ بينهما فَرْقًا، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغَالِطُ أقْبَحَ الغَلَطِ وأَفْحَشَهُ، وقد قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ} البقرة: 222، قال مجاهد: سألتُ ابن عباس عن قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ} البقرة: 222، فقال: تأتيها من حيث أُمِرْتَ أن تَعْتَزِلَهَا، يعني: في الحيض، وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول: في الفَرْجِ، ولا تَعْدُهُ إلى غيره.
وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دُبرها من وجهين:
أحدهما: أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحُشِّ الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: {مِن حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ} البقرة: 222، الآية، قال: {فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتُم} البقرة: 223، وإتيانها في قُبُلِهَا مِن دُبرها مستفاد من الآية أيضًا؛ لأنه قال: {أَنَّى شِئْتُم} أي: مِن أين شئتم، مِن أَمَامٍ أو مِن خَلْفٍ، قال ابن عباس: {فَأْتُوا حَرْثَكُم} البقرة: 223، يعني: الفَرْجَ.
وإذا كان الله حرَّم الوَطْءَ في الفَرْجِ لأجل الأذى العارِض، فما الظن بالحُشِّ الذي هو محلُّ الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتَّعَرُّضِ لانقطاع النسل، والذريعة القريبة جدًّا مِن أدبار النساء إلى أدبار الصبيان؟!.
وأيضًا: فللمرأة حقٌّ على الزوج في الوَطْءِ، ووَطْؤُهَا في دُبرها يُفَوِّت حقَّها، ولا يقضي وَطَرَها، ولا يحصل مقصُودُها.
وأيضًا: فإن الدبر لم يتهيَّأ لهذا العمل، ولم يُخلق له، وإنما الذي هُيِّئَ له الفَرْجُ، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حِكمة الله وشرعه جميعًا.
وأيضًا: فإن ذلك مُضِرٌّ بالرَّجُل؛ ولهذا يَنهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم؛ لأن للفَرْجِ خاصية في اجتذاب الماء المحتقن، وراحة الرَّجُل منه، والوطْءُ في الدبر لا يُعِين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كلُّ المحْتَقِن؛ لمخالفته للأمر الطبيعي.
وأيضًا: يَضُرُّ من وجه آخر، وهو إِحْوَاجُهُ إلى حركات مُتْعِبة جدًّا؛ لمخالفته للطبيعة.
وأيضًا فإنه محلُّ القذر والنَّجْوِ، فيستقبله الرَّجُل بوجهه ويُلابِسُهُ.
وأيضًا: فإنه يضرُّ بالمرأة جدًّا؛ لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع، مُنَافِرٌ لها غاية المنافَرة.
وأيضًا: فإنه يُحْدِثُ الهم والغم، والنُّفْرة عن الفاعل والمفعول.
وأيضًا: فإنه يُسَوِّدُ الوجه، ويُظْلِمُ الصدر، ويَطْمس نور القلب، ويكسو الوجه وَحْشَةً تصير عليه كالسِّيْمَاء يعرفها من له أدنى فِرَاسة.
وأيضًا: فإنه يوجب النُّفْرَة والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بد.
وأيضًا: فإنه يُفْسِد حال الفاعل والمفعول فسادًا لا يكاد يُرْجَى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضًا: فإنه يَذْهَبُ بالمحاسن منهما، ويكسُوهُما ضدَّها، كما يَذْهَبُ بالمودة بينهما، ويُبْدِلَهُمَا بها تباغضًا وتلاعنًا.
وأيضًا: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحُلول النقم؛ فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نَظَرِهِ إليه، فأيَّ خيرٍ يرجوه بعد هذا؟ وأيَّ شرٍّ يأمنه؟ وكيف حياة عَبْدٍ قد حلَّت عليه لعنة الله ومقْتُه، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه؟!
وأيضًا: فإنه يَذْهَبُ بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فَقَدَها القلب استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذٍ فقَدْ اسْتَحْكَمَ فسادُه.
وأيضًا: فإنه يُحِيْلُ الطباع عمَّا ركَّبَها الله، ويُخرج الإنسان عن طَبْعِهِ إلى طبعٍ لم يُرَكِّبِ اللهُ عليه شيئًا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكِسَ الطبعُ انتكس القلب والعمل والهدى، فيَسْتَطِيب حينئذٍ الخبيثَ من الأعمال والهيئات، ويَفْسُد حالُه وعمَلُه وكلامه بغير اختياره.
وأيضًا: فإنه يُوْرِثُ من الوقاحة والجرأة ما لا يُوْرِثه سواه.
وأيضًا: فإنه يُوْرِثُ من المهانة والسِّفَال والحقارة ما لا يُوْرِثُه غيره.
وأيضًا: فإنه يكسو العبدَ مِن حُلَّةِ المقت والبغضاء، وازدراء الناس له، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له ما هو مُشَاهد بالحِسِّ، فصلاة الله وسلامه على مَن سعادةُ الدنيا والآخرة في هَدْيِهِ، واتباعِ ما جاء به، وهلاكِ الدنيا والآخرة في مخالفةِ هَدْيِهِ، وما جاء به. زاد المعاد (4/235- 242).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولو وَطِئَ زوجته أو أَمَتَه في دبرها، فالمذهب أن واجِبَه التعزيز، وقيل: في وجوب الحَدِّ قولان، كوَطْءِ الأخت المملوكة. روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 91).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)