«اتقوا دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّها تُحْمَلُ على الغَمَامِ، يقولُ اللهُ -جلَّ جلالُهُ-: وعِزَّتي وجَلالي لَأَنْصُرَنَّكَ ولو بعدَ حِينٍ».
رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم: (3718)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق برقم: (598)، والطبراني في الدعاء برقم: (1317)، والشهاب القضاعي في مسنده برقم (733)، عن خُزيمة بن ثابت -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (117)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (870).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الغَمَام»:
السَّحَابُ أَجْمَع، كان فيه مطر أو لم يكن، الواحدة غَمَامة، والغَيْمُ: اسم لكل سحابة فيها ماء أو ليس فيها ماء، والجمع: غُيُوم. غريب الحديث، لإبراهيم الحربي (2/ 742).
«وَعِزَّتِي»:
أي: قُوَّتِي وغَلَبَتِي. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 23).
يقال: العِزَّة لله -تبارك وتعالى-، والله العزيز يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، مَن اعْتَزَّ بالله أَعَزَّهُ الله، ويقال: عَزَّ الشيء، جَامِعٌ لكل شيء إذا قَلَّ حتى يكاد لا يوجد مِن قِلَّتِهِ.العين، للفراهيدي (1/ 76).
«وَجَلَالِي»:
أي: عَظَمَتيِ. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 23).
يقال: جَلَّ جَلَالُ الله، وهو الجليل، ذو الجلال والإكرام، يقال: جَلَّ فلانٌ في عيني أي: عَظُمَ، وأَجْلَلْتُهُ أي: رأَيْتُه جليلًا نبيلًا، وأَجْلَلْتُهُ أي: عَظَّمْتُهُ. تهذيب اللغة، للأزهري (10/ 260).
«بعد حِيْنٍ»:
الحِيْنُ: وقتٌ من الزمان. العين، للفراهيدي (3/ 304).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
الحِيْنُ: مُدَّةٌ من الزمان غير معلومة. غريب الحديث (3/ 42).
شرح الحديث
قوله: «اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تُحْمَلُ على الغمام»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«اتقوا دعوة المظلوم» أي: اجتنبوا دعوة مَن تَظْلِمُونه؛ وذلك مستلزم لتَجَنُّبِ جميع أنواع الظلم على أبلغ وجهٍ وأَوْجَزِ إشارة، وأَفْصَحِ عبارة؛ لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم، لم يظلم، فهو أبلغ من قوله: لا تظلم، وهذا نوعٌ شريف من أنواع البديع يسمى: تعليقًا، ثم بيَّن وجه النهي بقوله: «فإنها تُحْمَلُ على الغمام» أي: يأمر الله برفعها حتى تُجَاوِز الغمام، أي: السَّحَاب الأبيض حتى تصل إلى حَضْرَتِه تَقَدَّسَ.
وقيل: الغَمَامُ شيء أبيضُ فوق السماء السابعة، فإذا سقط لا تقوم به السماوات السبع بل يتَشَقَّقْنَ، قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} الفرقان:25، وعلى هذا فالرفع والغمام حقيقة، ولا مانع من تجسيم المعاني كما مر. فيض القدير (1/ 141).
وقال العجلوني -رحمه الله-:
«اتقوا دعوة المظلوم» أي: سببها، فلا تَظْلِمْهُ وإن كان عاصيًا. الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري (ص:9124).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«اتقوا دعوة المظلوم» احذروها بترك ظُلْمِهِ، «فإنها تُحْمَلُ على الغمام» هو السحابة البيضاء، حتى تنتهي إلى حيث يشاء الله. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 345).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
دعوة المظلوم مجابة...، وإن كان عاصيًا، كما في حديث أبي هريرة، وعند أحمد مرفوعًا: «دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا، فَفُجُورُهُ على نفسه» وإسناده حسن، «وإن كان كافرًا» كما مَرَّ في خبر أنس.
وأما قوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} غافر: 50، فذاك في دعائهم للنجاة من نار الآخرة، أما دعاؤهم لطلب الانتصاف ممن ظلمهم في الدُّنيا كما في الحديث فلا تنافيه الآية. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 686).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
حتى ولو كان المظلوم كافرًا وظلمته ثم دعا الله عليك؛ استجاب الله دعاءه...،لا حبًّا للكافر ولكن حبًّا للعدل؛ لأن الله حكمٌ عدلٌ، والمظلوم لابد أنْ ينصف له من الظالم؛ ولهذا لما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم معاذًا- إلى اليمن قال له: «اتق دعوة المظلوم..» شرح رياض الصالحين (4/616)
قوله: «يقول الله -جل جلاله-: وعِزَّتِي وجَلَالِي لأَنْصُرَنَّكَ ولو بعد حِيْنٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
وقوله: «يقول الله: وعِزَّتِي وجَلَالِي لأَنْصُرَنَّكَ» بلام القَسَم، ونون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف، أي: لَأَسْتَخْلِصَنَّ لك الحق ممن ظَلَمَك، وفتح الكاف هو ما اقتصر عليه جَمْعٌ، فإن كان الرواية فهو متعين وإلا فلا مانع من الكسر، أي: لَأَسْتَخْلِصَنَّ لصاحِبِك، وتجسُّد المعاني وجعْلها بحيث تعقل لا مانع منه.فيض القدير (1/ 141-142).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يقول الله: وعِزَّتِي» غَلَبَتِي، «وجلالي» عَظَمَتي، وفي الإقسام بهاتين الصفتين عند الإخبار بنُصْرَةِ المظلوم أتم مناسبة؛ لأنه لا يَنْصُرُ إلا الغالب العظيم، وفي الإقسام دليل غضب شديد على الظالم.
«لأَنْصُرَنَّكَ ولو بعد حِيْنٍ»؛ لأنها قد تقتضي الحكمة تأخير النصر، فيكون أبلغ وأتمّ. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 345).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«لَأَنْصُرنَّكَ» إعلامٌ بأن المالك للظالم المتصرف فيه كيف يشاء القادر هو الْمُقْسِمُ بِعِزَّتِهِ، وهي غَلَبَتُهُ وعَظَمَتُهُ؛ ليَنْصُرنَّ المظلوم، فلا غالب له، ولا رادَّ لِأَمْرِهِ، وكفى بهذه العِبرة والإخبار الصادق تَسْلِية ونُصْرة. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 214-215).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لأَنْصُرَنَّك» بفتح الكاف أي: أيها المظلوم، وبكسرها أي: أيتها الدعوة. مرقاة المفاتيح (4/ 1535).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «ولو بعد حِيْنٍ» الحِينُ: يُستعمل لمطْلَقِ الوقت، ولِسِتَّةِ أَشْهُر، ولأربعين سنةً، والله أعلم بالمراد، يعني: لا أُضيع حقَّك، ولا أردُّ دعاءَك ولو مضى زمانٌ طويلٌ؛ لأني حليمٌ لا أُعَجِّلُ عقوبةَ العباد؛ فلعلهم يرجعون عن الظلم والذنوب إلى التوبة، وإرضاء الخصوم. شرح المصابيح (3/ 81).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ولو بعد حِيْنٍ» أي: أَمَدٍ طويلٍ، بل دَلَّ به سبحانه على أنه يُمهل الظالم ولا يهمله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ} الكهف:58، وقد جاء في بعض الآثار أنه كان بين قوله: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} يونس:89 وغَرَقِ فرعون أربعون عامًا، ووقوع العفو عن بعض أفراد الظلمة يكون مع تعويض المظلوم فهو نصر أيضًا.
وفيه: تحذير شديد من الظلم، وأن مَرَاتِعَهُ وخِيْمَة، ومصائبه عظيمة، قال:
نامَتْ جُفُونُكَ والمظلوم مُنْتَبِهٌ *** يدعُو عليك وعَيْنُ الله لم تَنَمِ.
والحين: الزمان قلَّ أو كثر، والمراد هنا: الزمان المطلق، نحو: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ص:88. فيض القدير (1/ 141).
وقال محمد عبد القادر الفاسي -رحمه الله-:
ولا يلزم من الإخبار بإجابة دعوة المظلوم أنْ يكون دعاؤه أفضل مِنْ عَفْوِهِ، فقد صرَّحت الآيات القرآنية بما يقتضي أفضلية العفو والصبر، قال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} الشورى:٤٣، الآية، وقال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} البقرة:۲۳۷. تحفة المخلصين بشرح عدة الحصن الحصين (1/258).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
ولكن تحقَّق أنَّ الباري تعالى وإنْ كان أطلق الأقوال ها هنا (يعني: في إجابة دعوة المظلوم) في موضعٍ، فقد بيَّن على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- متقيّدها المفسَّر بحقيقتها في موضعٍ آخر، فقال: «ما من داعٍ يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يُسْتَجَاب، وإما أن يُدَّخَر له، وإما أن يُعَوَّض». عارضة الأحوذي (3/98).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- مُعلقًا:
قال ابن العربي: وإنْ كان مطلقًا (حديث دعوة المظلوم) فهو مُقَيَّد بالحديث الآخر: «أنَّ الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يُعَجَّلَ له ما طَلَبَ، وإما أن يُدَّخَر له أفضل منه، وإما أن يُدْفَعَ عنه من السوء مثله»، وهذا كما قيّد مطلق {أَمَّنْ يُجِيبُ} دعوة {الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} النمل: 62، بقوله تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} الأنعام: 41. شرح سنن أبي داود (7/ 529).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفيه: تحذير شديد من الظلم، وأن مَرَاتِعَهُ وخِيْمَة، ومصائبه عظيمة، قال:
نامَتْ جُفُونُكَ والمظلوم مُنْتَبِهٌ *** يدعُو عليك وعَيْنُ الله لم تَنَمِ.
والحين: الزمان قلَّ أو كثر، والمراد هنا: الزمان المطلق، نحو: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ص:88. فيض القدير (1/ 141).
وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)