«ما يُخرِجُ رجلٌ شيئًا من الصدقةِ حتى يَفُكَّ عنها لَحْيَيْ سبعينَ شيطانًا».
رواه أحمد برقم: (22962) واللفظ له، والحاكم برقم: (1521)، وابن خزيمة برقم: (2457)، من حديث بُرَيْدَة -رضي الله عنه-.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم: (9812) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5814)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1268).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«حتى يَفكَّ عنها»:
أي: يُحَلَّ ويَزيلَ عنه القيد. المفاتيح في شرح المصابيح(4/ 304)
يقال: فَكَكْتُ الشيءَ: خَلَّصْتُهُ. وكلُّ مُشْتَبِكَيْنِ فصَلتَهُما فقد فَكَكْتَهُمَا. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري (4/ 1603).
«لَحْيَيْ»:
بفتح اللام، ويائين، تثنية لَحْي، وهو عَظْم الفَكِّ. فتح الباري، لابن رجب (7/ 16).
وقال الخليل بن أحمد -رحمه الله-:
اللَّحْيَانِ: العَظْمَانِ اللذان فيهما مَنَابِتُ الأسنان من كلِّ ذي لَحْيٍ. العين (3/ 296).
شرح الحديث
قوله: «ما يُخْرِجُ رجلٌ شيئًا من الصدقة»
قال العزيزي -رحمه الله-:
«ما يُخرِجُ رجلٌ» أي: إنسانٌ (ليشمل الرجل والمرأة). السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 225).
قوله: «حتى يُفَكَّ عنها لَحْيَيْ سبعين شيطانًا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«حتى يُفَكَّ عنها لَحْيَيْ» بفتح اللام تثنية لَحْيٍ. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 517).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «حتى يَنْفَكَّ عنها» أي: كأنَّ سبعين شيطانًا يريدون أكلها، ويمنعون عن إعطائها، بجعْلِها في أفواههم، يريدُ كثرة الموانع الشديدة عن الصدقة. حاشية السندي على مسند أحمد (5/339).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «سبعين شيطانًا» كأنهم عاضُّون بالنواجذ على المال لا تَخْرُجُ منه صدقة، وهو تمثيل لشدة إخراج الصدقة على النفس، وشدة كراهة الشياطين لإخراجها؛ لأنها تُطْفِئُ غضب الرِّب، والشيطان ساعٍ في إغضاب الرَّب على عبدهِ. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 517).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لأن الصدقة على وجهها إنما يُقصد بها: ابتغاء مرضاة الله، والشياطين بصدد منع الإنسان من نيل هذه الدرجة العظمى، فلا يزالون يأْبَوْنَ في صدِّه عن ذلك، والنفس لهم على الإنسان ظهيرة؛ لأن المال شقيق الروح، فإذا بذله في سبيل الله فإنما يكون برغمهم جميعًا؛ ولهذا كان ذلك أقوى دليلًا على استقامته، وصِدْقِ نيَّته، ونصوح طَوِيَّته، والظاهر أن ذكر السبعين للتكثير لا للتحديد كنظائره. فيض القدير (5/ 504).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
بل رُبما حالَ بينك وبينها (الصدقة) بعض شياطين الإنس أيضًا، وعلى كل خير مانع، وقد تأتي المنية قبل إنجازها. فيض القدير (1/ 318).
وقال أحمد الساعاتي -رحمه الله-:
والمعنى: أنَّ كُلّ إنسان له شياطين كثيرة، تمنعه عن سُبُلِ الخير، وتوسوس له بتحسين ذلك؛ لأن الشيطان عدو الإنسان بنصِّ القرآن، لا يريد له الخير، والصدقة من الأعمال الخيرية التي تُقرِّب العبد من ربه؛ فإذا تفطَّن الإنسان لهذا، وخالَفَ الشياطين وتصدَّق، فكأنه أَمْسَكَ لَحَاهُم وفَسَخَها، فلا يقدرون على الكلام والوسوسة؛ فهو كناية عن قهرهم وغلبَتِهم، والله أعلم. الفتح الرباني (9/ 155).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
روى الإمام أحمد والبزار عن بُريدَة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُخْرِجُ رَجُلٌ شيئًا من الصدقة حتى يُفَكَّ عنها لَحْيَيْ سبعين شيطانًا»، وزاد البيهقي: «كلُّهم ينهى عنها»، وهذا بخلاف الذي يتصدق عند الموت. شرح سنن أبي داود (12/ 347).