الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«إذا أَجْمَرْتُمُ الميِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثلاثًا».


رواه أحمد برقم: (14540)، وابن أبي شيبة برقم: (11232)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (278)، أحكام الجنائز برقم:(36).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَجْمَرْتُمْ»:
أي: إذا بخَّرْتُمُوه بالطِّيْب، ويقال: ثوب مُجْمَرٌ ومُجَمَّرٌ، وأَجْمَرتُ الثوبَ وجمَّرْتُه إذا بخَّرْتُه بالطِّيب. لسان العرب، لابن منظور (4/ 145).
وقال الأصمعي-رحمه الله-:
أَجْمرَ ثَوْبه إِذا بَخَّرَه، فَهُوَ مُجْمِر.تهذيب اللغة(11/52)
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
وَالَّذِي يَتولَّى ذلك: مُجْمِرٌ ومُجَمِّر. تاج العروس (10/ 468).


شرح الحديث


قوله: «إذا أَجْمَرْتُمْ الميت فَأَجْمِرُوه ثلاثًا»:
قال أبو موسى المديني -رحمه الله-:
يقال: ثوبٌ مجمَّر ومُجْمَر: أي مُبَخَّر بالطِّيب، ولعله مأخوذ من جَمْرِ النار؛ لأن الغالب في البخور أن يُجعل الجَمْرِ في المِجْمَر ويوضع الطِّيب عليه ما كان من عُود ونحوه، ثم يتبخَّر به.
ويقال للَّذي يلي ذلك: مُجْمِر ومُجَمِّرٍ، ومنه المجَمِّر الذي كان يلي إجمار مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث(1/ 346).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«‌إذا ‌أَجْمَرْتُم ‌الميت فجَمِّرُوه ثلاثًا» أي: إذا بخَّرْتُموه بالطِّيب، يقال: ثوب مجمَّر ومُجْمَر، وأجْمَرْت الثوب وجمَّرته إذا بخَّرته بالطِّيب، والذي يتولى ذلك مُجْمِرٌ ومُجَمِّر، ومنه: نعيم المجْمِر الذي كان يلي إجمار مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. النهاية في غريب الحديث (1/ 293).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا جَمَّرْتُم الميت» المسلم، أي: بخَّرتموه، يقال: جمَّر ثوبه تجميرًا أي: بخَّره. فيض القدير (1/ 327).
وقال الكمال ابن الهمام -رحمه الله-:
وجميع ما يُجَمَّر فيه الميت ثلاث: عند خروج روحه؛ لإزالة الرائحة الكريهة، وعند غسله، وعند تكفينه، ولا يُجمر خَلْفَه، ولا في القبر؛ لما روي: «لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار». فتح القدير (2/ 108).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا جَمَّرْتُم الميت» أي: بخَّرْتُم أكْفَانه أو بَدَنَه أو هما....
وفيه: مشروعية تجْمِير الميت بأي شيء من الأَطْيَابِ؛ لإطلاقه هنا. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 19).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «إذا أَجْمَرْتُم الميت» أي: بخَّرتموه.
وفيه: استحباب تبخير الميت ثلاثًا. نيل الأوطار (4/ 50).
وقال العدوي -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ التبخير في ذاته مستحب، وكونه وترًا مستحب آخر. حاشيته على شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 125).
وقال الجويني -رحمه الله-:
ثم رأى الشافعي تجميرَ الأكفان بالعُود، واختاره على المسك؛ لما صح عنده من كراهية ابن عمر لاستعمال المسك في الكفن، فآثر الخروج عن خلافه. نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 24).
وقال حسن بن عمار الحنفي -رحمه الله-:
وتُجَمَّر الأكفان للرَّجل والمرأة جميعًا تجميرًا وترًا قبل أن يُدرج الميت فيها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أَجْمَرْتُم الميت فأَجْمِرُوا وترًا»، ولا يزاد على خمس...، ويُكره تجمير القبر. مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 217).
وقال المزني -رحمه الله-:
قال الشافعي: وأحبُّ أنْ يكون بِقُرب الميت مَجْمَرَة لا تنقطع، حتى يفرغ من غسله. مختصر المزني (8/ 130).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
ولا بأس بالتَّجْمِير عند غسله، كما لا بأس بجلوس المحْرِم عند العطَّار. فتح العزيز بشرح الوجيز (5/ 129).
وقال الإسنوي -رحمه الله-:
وأما تجمير الميت المحْرِم فقياس ما تقدَّم أنْ يكره أيضًا؛ لأنهم أقاموا فعْلَهُم به بعد الإحرام مقام فعله في حال الحياة، إلا أنْ يُقال: اغْتفر ذلك للرائحة الكريهة. المهمات في شرح الروضة والرافعي (3/ 465).
وقال الإمام مالك -رحمه الله-:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لأهلها: "«أَجْمِرُوا ثيابي إذا مِتُّ، ثم حنِّطُوني، ولا تذروا على كفني حناطًا، ولا تتبعوني بنار»". الموطأ (1/ 226).
وقال الباجي -رحمه الله- مُعلقًا:
قولها: «أَجْمِرُوا ثيابي» يحتمل: أنْ يكون ذلك منها على وجه التعليم بالسُّنة على وجه الأمر ببلوغها، والتحذير من التقصير عنها، ويحتمل: أنْ يكون على وجه الوصية لمن قد عَلِمَ جواز ذلك، وجواز غيره، وتريد بقولها: «أَجْمِرُوا ثيابي» تجميرها بالعود، وغير ذلك مما يُتَبخَّر به، والأصل في ذلك: أن الميت يحتاج إلى تَطْيِيبِ ريحه، وريح كَفَنِه، فإن ذلك من إكرامه وصيانته؛ لئلا تظهر منه ريح مكروهة؛ ولذلك شرع في غسله الكافور؛ ليطيب ريحه؛ ولتُخفى ريح كريهة إن كانت...
ويفعل هذا بكل من يُغسَّل ويُصلى عليه مُحْرِمًا كان أو غير مُحْرِم، وبه قال الحسن وعكرمة والأوزاعي وأبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يقرب المحْرِمُ الطِّيب، ولا يغطي رأسه، والدليل على ما نقوله: أنه حكم من أحكام الحج، فوجب أنْ يَبْطُل بالموت، كالطواف، وأما ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في مُحْرِمٍ وقع عن راحلته فمات: «اغْسِلُوهُ بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنِّطُوه، ولا تخَمِّروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة مُلبيًا»، فليس بمانع من ذلك في غير ذلك الميت؛ لأننا لا طريق لنا إلى أن نعلم نحن في غيره من الأموات أن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا، وتعليل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحكم بما لا طريق لنا إلى معرفته دليل على أنه حُكْمٌ مخصوص به، ولو كان حُكمًا يتعدَّى إلى غيره لعَلَّلَهُ بما لنا طريق إلى معرفته. المنتقى شرح الموطأ (2/ 10).
وقال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-:
وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تُجمَّر أكفانهم بالعود، وقال أبو هريرة: يجمّر الميت؛ ولأن هذا عادة الحيِّ عند غسله، وتَجْمِير ثيابه، أن يجمر بالطيب والعود، فكذلك الميت. المغني (2/ 346).
وفي كيفية تجميره قال الكمال ابن الهمام -رحمه الله-:
وهو أنْ يدور مَن بيده المجْمَرَة حول سريره ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، وإنما يوتر؛ لأن الله تعالى وتر يحب الوتر. فتح القدير (2/ 108).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
تبخير الكفن بالعُود مستحب، إذا لم يكن الميت مُحْرِمًا؛ وذلك بأنْ يُنْصَبَ مشجبٌ المشجب: عيدان يضم بعضها إلى بعض مفتَّحة الأطراف تُعلق عليها الثياب وتوضع الأكفان عليها، ويجَمَّر تحتها؛ ليُصِيْبَها دخان العود. فتح العزيز بشرح الوجيز (5/ 138).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد أجمعوا على الكافور في حنوط الميت، وقد أمَر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غسل ابنته، وأكثرهم يُجِيزُ فيه الْمِسْك، وكره ذلك قوم، والحُجّة في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَطْيَب الطيب المِسْك». الاستذكار (3/ 25).


ابلاغ عن خطا