الإثنين 19 جمادى الأولى 1447 | 2025-11-10

A a

«أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا جاء إلى مكة دخلها مِن أَعلاها، وخرج مِن أَسْفَلِهَا».


رواه البخاري برقم: (1577)، ومسلم برقم: (1258)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وفي رواية للبخاري برقم: (1578)، ومسلم برقم: (1258) واللفظ له: «أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- دخل عامَ الفتح من كَدَاء، وخرجَ مِن كُدًى، مِن أعلى مكةَ».


مختصر شرح الحديث


.


غريب الحديث


«كَدَاء»:
بفتح الكاف والمد، وهي الثَّنِيَّة التي بأعلى مكة، وهو معروف. تهذيب الأسماء واللغات، للنووي (4/ 123).

«كُدًى»:
بضم الكاف، وفتح الدال، بعدها ألف مطوية، تُكتب بياء، أي: بالقصر والتنوين، فمن أسفل مكة، هذا هو الصواب المشهور الذي قاله جماهير العلماء من المحدثين وأهل الأخبار واللغة والفقه، وما سوى هذا فليس بشيء. تهذيب الأسماء واللغات، للنووي (4/ 123).


شرح الحديث


قولها: «أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لما جاءَ إلى مكةَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قولها: «إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-» أي: عام حجة الوداع؛ لأنها كانت معه حينئذٍ «لما جاء إلى مكة» أي: وصل إلى قُربها. مرقاة المفاتيح (5/ 1783).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قولها: «أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى مكة» عام الفتح سنة ثمان. الكوكب الوهاج (14/ 188).

قولها: «دَخَلَهَا مِن أعلَاهَا»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
قولها: «دخلها من أعلاها» وكذا دخل في فتح مكة منها، وأعلى مكة هو الجانب الشرقي. مرعاة المفاتيح (9/ 83).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«دخلها من أعلاها» تعني: من الثنيَّة العُليا. الكوكب الوهاج (14/ 188).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
«دخل من أعلاها» هو ثنيَّة كَداءٍ بفتح الكاف عون المعبود (5/ 226).

قولها: «وخرجَ مِن أسفَلِهَا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وخرج من أسفلها» أي: لما أراد الخروج منها، والمراد بأعلاها ثنية كَداء بفتح الكاف والمد، والتنوين وعدمه؛ نظرًا إلى أنه عَلَمُ المكان أو البُقعة، وهي التي ينحدر منها إلى المقبرة المسماة عند العامة بالمُعلّاة، وتُسمَّى بالحجون عند الخاصة، ويطلق أيضًا على الثنيَّة التي قبله بيسير، والثنيَّة: الطريق الضيِّق بين الجبلين، وبأسفلها ثنيَّة كُدى بضم الكاف والكسر، والتنوين وتركه، وهو المسمى الآن بباب الشبيكة. مرقاة المفاتيح (5/ 1783).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«و» لما خرج «خرج من أسفلها» أي: من أسفل مكة، تعني: من الثنيَّة السفلى. الكوكب الوهاج (14/ 188).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«من أعلاها» أي: من شرق، يعني: من الحجون «وخرج من أسفلها» من المكان الذي يُسمى المسفلة. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 411).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها» هذا إخبار عن دخوله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح؛ فإنه دخلها من محلٍّ يقال له: كَداء بفتح الكاف والمد غير منصرف، وهي الثنيَّة التي ينزل منها إلى الْمَعْلاة، مقبرة أهل مكة...، وأسفل مكة هي الثنيَّة السفلى يقال لها: كُدى، بضم الكاف والقَصر، عند باب الشبيكة، ويقول أهل مكة: "افتح وادخل، وضم واخرج". سبل السلام (4/ 224).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
إذا دخل مكة دخل من الثنيَّة العُليا، ويخرج من الثنيَّة السفلى، قيل: فعله ذلك لأنه كان أسمح لخروجه، كذا جاء في الحديث، أي: أسهل؛ ولأنه كان آخر أمره وداع البيت، فيأتي في رجوعه بعد إلى أعلى مكة تكلُّف (عبارته عند الأُبي: "فلو رجع منه إلى العليا لشق عليه" وهي أوضح)، وأن خروجه من هنالك لأسفلها أيسر وأسهل، وقيل: تأوَّل فيه ما يتأوَّل في مخالفة الطريق في العيد؛ ليتبرَّك به كل مَن في طريقه، ويدعو لهم، ويجيبهم عما يسألونه عنه، ولا يخصّ قومًا دون قوم؛ وليعمّهم بدعائه، وقيل: ليغيظ المنافقين ومَن في قلبه مرض بإظهار أمر الإسلام وظهوره، وقيل: ليكثِّر خُطاه، وليكثر نوافله، وقيل غير هذا. إكمال المعلم (4/ 335).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
يُستحب أنْ يدخل مكة من أعلاها، هذا على ظاهر قول أصحابنا مستحب لكل مَن أراد الدخول إلى مكة، سواء أتاها من ناحية التنعيم أو من غيرها، وجملة ذلك: أنه يستحب دخول مكة من أعلاها، والخروج من أسفلها؛ وذلك لما روى ابن عمر قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل من الثنيَّة العُليا التي بالبطحاء، ويخرج من الثنيَّة السفلى» رواه الجماعة إلا الترمذي، وفي رواية للبخاري: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كَداء من الثنيَّة العُليا التي عند البطحاء، وخرج من الثنيَّة السفلى»، وهذا إشارة إلى تكرر دخوله من ذلك الموضع، وعن عائشة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- «لما جاء مكة دخل من أعلاها، وخرج من أسفلها»، وفي لفظ: «دخل عام الفتح من كَداء التي بأعلى مكة» متفق عليه، ولأبي داود: «دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح من كَداء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كُدى»، وفي رواية للبخاري: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عام الفتح من كَدَاء، وخرج من كُدى من أعلى مكة»، وكذلك روى البخاري عن عروة بن الزبير قال: «وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ -يعني يوم الفتح- خالد بن الوليد أن يدخل مكة من أعلى مكة من كَداء» ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- من كُدى، ويشبه أن يكون ذلك -والله أعلم- لأن الثنيَّة العُليا التي تشرف على الأبطح والمقابر إذا دخل منها الإنسان فإنه يأتي من وجه البلد والكعبة، ويستقبلها استقبالًا من غير انحراف، بخلاف الذي يدخل من الناحية السفلى، فإنه يدخل من دُبر البلد والكعبة، وإنما يخرج من الثنيَّة السفلى؛ لأنه يستدبر الكعبة والبلد، فاستحب أن يكون ما يليه منها مؤخرها؛ لئلا يستدبر وجهها؛ وليكون قد دخل من طريق وخرج من أخرى، كالذاهب إلى العيد، وفي خروجه -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح من دُبُرها مع أنه كان يريد حُنَينًا والطائف دليل على أن الإنسان يتعمَّد ذلك، وإن لم يكن وجه قصده. شرح عمدة الفقه (5/ 141 - 143).
وقال النووي -رحمه الله-:
قيل: إنما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المخالفة في طريقه داخلًا وخارجًا؛ تفاؤلًا بتغير الحال إلى أكمل منه، كما فعل في العيد؛ وليشهد له الطريقان؛ وليتبرك به أهلهما، ومذهبنا: أنه يستحب دخول مكة من الثنيَّة العُليا، والخروج منها من السفلى؛ لهذا الحديث، ولا فرق بين أن تكون هذه الثنيَّة على طريقه كالمدنيّ والشاميّ، أو لا تكون كاليمنيّ، فيستحب لليمني وغيره أن يستدير ويدخل مكة من الثنيَّة العُليا، وقال بعض أصحابنا: إنما فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها كانت على طريقه، ولا يستحب لمَن ليست على طريقه كاليمنيّ، وهذا ضعيف، والصواب الأول، وهكذا يستحب له أن يخرج من بلده من طريق، ويرجع من أخرى. المنهاج شرح صحيح مسلم (9/ 3 - 4).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قالوا: واختُلف في المعنى الذي لأجله خالف -صلى الله عليه وسلم- بين طريقيه، فقيل: ليتبرك به كل من في طريقه...، وقيل: الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلوّ عند الدخول؛ لما فيه من تعظيم المكان، وعكسه الإشارة إلى فِراقه، وقيل: لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها، وقيل: لأنه -صلى الله عليه وسلم- خرج منها مختفيًا في الهجرة، فأراد أن يدخلها ظاهرًا عاليًا، وقيل: لأن مَن جاء من تلك الجهة كان مستقبلًا للبيت، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك، والسبب في ذلك: قول أبي سفيان بن حرب للعباس: "لا أُسلمُ حتى أرى الخيل تطلع من كَداء" فقلت: ما هذا؟ قال: شيء طلع بقلبي، وإنَّ الله لا يُطلِع الخيل هناك أبدًا، قال العباس: فذكَّرت أبا سفيان بذلك لما دخل، وللبيهقي من حديث ابن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: «كيف قال حسان؟» فأنشده:
عَدمتُ بُنيَّتِي إن لم تروها *** تُثيرُ النقعَ مَطلعُها كَداءُ.
فتبسم، وقال: «ادخلوها من حيث قال حسان». فتح الباري (3/ 438).

وفي الرواية الأخرى: «دخلَ عامَ الفتحِ من كَداءٍ، وخرجَ مِن كُدًى، من أعلى مكةَ»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
كُدى مثل مُدية ومُدى...، موضع بأسفل مكة، بقرب شِعب الشافعيين، وقيل فيه: ثنية كدُى، فأُضيف إليه للتخصيص، ويُكتب بالياء، ويجوز بالألف؛ لأن المقصور إن كانت لامه ياءً نحو كُدى ومُدى جازت الياء؛ تنبيهًا على الأصل، وجاز بالألف اعتبارًا باللفظ؛ إذ الأصل كُديّ بإعراب الياء، لكن تحركت وانفتح ما قبلها، فقُلبت ألفًا...، وكَداء بالفتح والمد: الثنيَّة العُليا بأعلى مكة، عند المقبرة، ولا ينصرف للعلمية والتأنيث، وتسمى تلك الناحية المعلّى، وبالقرب من الثنيَّة السفلى موضع يقال له: كُديّ مصغر، وهو على طريق الخارج من مكة إلى اليمن، قال الشاعر:
أقفرت بعدَ عبدِ شمسٍ كَداءُ *** فكُديٌّ فالركنُ والبطحاءُ. المصباح المنير (2/ 528).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قولها: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل» مكة المكرمة «عام الفتح» سنة ثمان «من كَداء» بفتح الكاف وبالمدّ، وقولها: «من أعلى مكة» بدل من كداء بإعادة الجار...، وقال الفيومي: إنه لا ينصرف؛ للعلمية والتأنيث اهـ، لكن التأنيث ليس بلازم له؛ لكونه اسم موضع. الكوكب الوهاج (14/ 189).
وقال النووي -رحمه الله-:
قولها: «دخل عام الفتح من كَداء من أعلى مكة» هكذا ضبطناه بفتح الكاف وبالمد، وهكذا هو في نُسخ بلادنا، وهذا نقله القاضي عياض عن رواية الجمهور، قال: وضبَطَه السمرقندي بفتح الكاف والقصر...، اختلفوا في ضبط كَداء هذه، قال جمهور العلماء بهذا الفن: كَداء بفتح الكاف وبالمد هي الثنيَّة التي بأعلى مكة، وكُدى بضم الكاف وبالقصر هي التي بأسفل مكة، وكان عروة يدخل من كليهما وأكثر دخوله من كَداء بفتح الكاف، فهذا أشهر، وقيل: بالضم...، وأما كُديّ بضم الكاف وتشديد الياء فهو في طريق الخارج إلى اليمن، وليس من هذين الطريقين في شيء، هذا قول الجمهور، والله أعلم. المنهاج شرح صحيح مسلم (9/ 4).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «مِن كَداء» بفتح الكاف والمد، قال أبو عبيد: لا يُصرف، وهذه الثنيَّة هي التي ينزل منها إلى المعلّى: مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها: الحجُون؛ بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهّلها معاوية ثم عبد الملك، ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي، ثم سَهُل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع، ثم سُهِّلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة، وكل عقبة في جبل أو طريق عالٍ فيه تسمى ثنيّة. فتح الباري (3/ 437).
وقال عبد الله بن جاسر -رحمه الله-: معلقًا:
قلت: ثم سُهِّلت في زمن الشريف الحسين بن علي، في حدود الثلاثين وثلاثمائة وألف، ثم سُهِّلت في زمن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود -رحمه الله-، ثم سُهِّلت تسهيلًا كاملًا بعده. مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام (1/ 255).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
اعلم أنَّ باب مكة في الشرق، فكأنَّه فرض وجهها إلى جانب الشرق، وظهرها إلى الغرب، والأدب في السلاطين أن يُدخل عليهم من جانب الوجه، فاستحبوا للزائر أيضًا أنْ يدخل مكة وهو يواجهها، وهذا فيمَن دخلها من كَداء -ممدودة-؛ لكونها في جانب الشرق، ويخرج من كُدي؛ لكونها ظهر البيت، وهو في الغرب، ثم الكداء -ممدودة- أعلى مكة، وكُدى -مقصورة- أسفلها، والراوي قد يعكس بينهما. فيض الباري (3/ 208).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أو لأنَّ الإتيان إلى مكة يناسبه الظهور والإعلان، بخلاف الخروج؛ لأنه يلائمه الخفاء والكتمان، فإن الدخول فيه حسنة، والخروج منها في صورة سيئة؛ ولأن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان على العُليا حين قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} إبراهيم: 37، كما رواه السهيلي عن ابن عباس.
وروي أيضًا أنه لما فرغ من بناء البيت نادى على حَجَرِهِ المسمى بالمقام، وعلى العُليا أيضًا: أيها الناس، إنَّ الله بنى لكم بيتًا فحجُّوه، فأجابته النُّطَف في الأصلاب والأرحام: لبيك، وكل مَن كُتب له تكرير النسك تكررت إجابته بقدر ما كتب له، كذا ذكره ابن حجر، والأظهر أنه أجابته الأرواح، والأشباح التي قدَّر الله سبحانه وقضى أن تشرف بزيارة بيت الله، وتسمع نداء من ناداه. مرقاة المفاتيح (5/ 1783).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
الحكمة في دخوله من العُليا، وخروجه من السفلى: أنه في الأول قصد موضعًا عليَّ المقدار، فناسب الدخول من العُليا، وفي الثاني بالعكس فناسب الخروج من السفلى. فتح العلام (ص: 399).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
الحكمة في مخالفة الطريق: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- خرج من مكة مختفيًا، فأراد أنْ يدخلها ظاهرًا غالبًا، وقيل: دخل من العُليا تعظيمًا للمكان، وخرج من السفلى لما فيه من فراقه. الدين الخالص (9/ 201).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
المقصود أنَّ الدخول إلى مكة من أعلاها والخروج من أسفلها، هذا ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهل هذا الأمر مقصود شرعًا فيستحب أو ليس بمقصود؛ لأنه هو طريقه، وهو الأيسر له -عليه الصلاة والسلام-؟
الدخول من الأعلى يتطلب النزول إليها، وهذا سهل، بينما الخروج من أسفلها أيسر، لو صار العكس، لو دخل من الأسفل وخرج من الأعلى لتطلب ما يشق عليه، ويجور عن طريقه، فمن رأى إلى هذه المسألة من هذه الحيثية قال: هذا حصل اتفاقًا، فالحاج يفعل الأرفق به، ومنهم مَن يقول: إنَّ الدخول من أعلاها يقتضي أنْ يدخل إلى البيت مستقبلًا البيت، وبعضهم يستحب هذا، ويقول الحنابلة وغيرهم: يستحب دخول مكة من أعلاها، والمسجد من باب بني شيبة، يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهم مَن يقول يفعل الأرفق، ولا يترتب عليه شيء. شرح بلوغ المرام (70/ 5).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
...أما في الحج فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالف الطريق، في دخوله إلى مكة دخل من أعلاها، وخرج من أسفلها، وكذلك في ذهابه إلى عرفة، ذهب من طريق، ورجع من طريق آخر، واختلف العلماء أيضًا في هذه المسألة: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك على سبيل التعبد، أو لأنه كان الأسهل لدخوله أن يدخل من الأعلى، ولخروجه أن يخرج من الأسفل، فمَن من العلماء قال بالأول قال: إنه سُنة أنْ تدخل من أعلاها، أي: أعلى مكة، وتخرج من أسفلها، وسُنة أن تأتي عرفة من طريق، وترجع من طريق آخر، ومنهم مَن قال: إنَّ هذا حسب تيسُّر الطريق، فاسلك المتيسر، سواء من الأعلى أو من الأسفل، وعلى كل حال إن تيسر لك أنْ تدخل من أعلاها، وتخرج من أسفلها، فهذا طيّب، فإن كان ذلك عبادة فقد أدركته، وإن لم يكن عبادة لم يكن عليك ضرر فيه، وإنْ لم يتيسر كما هو الواقع في وقتنا الحاضر؛ حيث إنَّ الطرق قد وُجِّهت توجيهًا واحدًا، ولا يمكن للإنسان أن يخالف، فالأمر -والحمد لله- واسع. شرح رياض الصالحين (4/ 164 - 168).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
إذا تعددت الطرق الموصلة إلى مكان، وتماثلت في سهولتها أو صعوبتها، كان لاختيار القائد والقدوة هدف وحكمة في اختيار أحدها للدخول، والآخر للخروج، إذا تكرّر منه ذلك والتزمه، ومن هنا جاءت أهمية العلم بطريق دخوله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ومكة، وطريق خروجه منهما، وسواء وصلنا إلى معرفة السر والحكمة، أو لم نصل، يبقى علينا الأسوة والاقتداء، وفيها أجر من الله إن شاء الله، لا فرق في ذلك بين مَن يقول بأنه سُنة، أو مَن يقول بأن ذلك مستحب، أو مَن يقول: إن ذلك هو الأولى. فتح المنعم (5/ 270).
وقال العيني -رحمه الله-:
فيه: استحباب الدخول إلى مكة من الثنيَّة العُليا، والخروج من السفلى، سواء فيه الحاج والمعتمر، ومن دخلها بغير إحرام.
وفيه: استحباب الخروج من أسفل مكة للخارج منها، سواء خرج للوقوف بعرفة، أو غير ذلك. عمدة القاري (7/125).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
منها: أنَّ هذا الفعل للاستحباب، وليس من النُّسك، فلا يترتب على تركه شيء، بل مَن فعل ذلك اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان له فيه ثواب عظيم، وخير كثير {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} الأحزاب: 21، ومَن تركه فلا شيء عليه، والله تعالى أعلم بالصواب. ذخيرة العقبى (25/ 74).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


إبلاغ عن خطأ