الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«‌مَنْ ‌يَضْمَنْ ‌لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وما بينَ رِجليهِ أَضْمَنْ له الجنةَ».


رواه البخاري برقم: (6474)، وفي رواية له برقم: (6807): «مَنْ تَوَكَّلَ لي ما بينَ رجليهِ وما بينَ لَحْيَيْهِ توكَّلتُ له بالجنةِ»، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌يَضْمَنُ»:
أي: مَن يكفل لي المحافظة ما بين اللسان والفم عن قبيح الكلام وأكل الحرام، وما بين رِجْلَيه أي: من الفَرْجِ عن الزنا، ونحوه. مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (7/ 3025).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«يضمَن» هو بفتح الميم في مستقبله، وبكسرها في ماضيه، تقول: ضمنتُ الشيء أي: كفلت به. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/503).

«لَحْيَيْهِ»:
بفتح اللام تثنية لحَيْ، وهما العَظْمان اللذان يَنْبُتُ عليهما الأسنان علوًا وسفلًا. الكاشف عن حقائق السنن، للطيبي (10/3111).

«بين رِجْلَيه»:
أي: الفَرْج. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (2/ 449).

«تَوَكَّلَ»:
أي: تكَفَّل. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (23/198).
والتَّوكُّل: إظهار العجز والاعتماد على غيرك.التوضيح لشرح الجامع الصحيح (31/ 138).


شرح الحديث


قوله: «‌مَن ‌يَضْمَنْ ‌لي ما بين لَحْيَيْهِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من يَضْمَنْ» بالجزم على أن «مَن» شرطية. مرقاة المفاتيح (7/3025).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «مَن يَضْمَنْ لي» عن بعضهم معناه: من يضمن لي لسانه؛ أي: شر لسانه وبوادِرِه، وحِفْظِهِ عن التكلم بما لا يعنيه ويضره، مما يوجب الكفر والفسوق، وفَرْجَهُ؛ بأن يصونه من الحرام، أضْمَنْ له دخول الجنة.
أقول: أصلُ الكلام: من يحفظ ما بين لَحْيَيْهِ من اللسان مما لا يَعْنيه من الكلام والطعام يدخل الجنة، فأراد أنْ يؤكد الوعد تأكيدًا بليغًا فأبرزه في صورة التمثيل؛ ليُشْعِر بأنه واجب الأداء، فشبَّه صورة حِفْظِ المؤمن نفسَه مما وجب عليه من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونهيه، وشبَّه ما يترتب عليه من الفوز بالجنة، وأنه واجب على الله بحسب الوعد أداؤه، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الواسطة والشفيع بينه وبين الله تعالى، بصورة شخص له حق واجب الأداء على آخر، فيقوم به ضامِنٌ يتكفل له بأداء حقه، وأدخل المشبَّه في صورة المشبَّه به، وجعله فردًا من أفراده، ثم ترك المشبَّه به، وجعل القرينة الدالة على ما يستعمل فيه من الضمان، نحو قولك للمفتي الذي يتردد في فتواه: أراكَ أيها المفتي تقدِّم رِجْلًا وتؤخِّر أخرى. الكاشف عن حقائق السنن (10/3111-3112).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
المراد بالضمان: الوفاء بترك المعاصي بهما. كشف المشكل (2/282).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فأطلق الضمان وأراد لازِمَه، وهو أداء الحق الذي عليه. فيض القدير (6/243).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
أي: من أدَّى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه، أو الصمت عمَّا لا يَعْنِيه، وأدَّى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفِّه عن الحرام، جازيته بالجنة. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (9/457).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
وقوله: «مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ» قيل: لسانه، وقيل: بطنه. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (3/422).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «ما بين لَحْيَيْهِ» يعني: لسانه، فلم يتكلم بما يكتبه عليه صاحب الشمال. شرح صحيح البخاري (10/186).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال الداودي: «ما بين لَحْيَيْهِ» يعني: الفم، مَن ضمن ما يكون منه من الشر من قول أو فعل، بأكل أو شرب أو غيرهما. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/503).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
والمراد بما بين لَحْيَيْهِ: اللسان ونطقه بما لا يَعْنيه، وما يوجب المعصية، وقيل: أراد الفم؛ ليتناول الأكل والشرب والكلام، قالوا: والأول أصوب؛ لأن المقصود التنبيه على معظم ما يأتي منه المعصية، وهو اللسان والفَرْجُ؛ ولذا جعل المؤلف (التبريزي في المشكاة) عنوان الباب: (حِفْظُ اللسان والغِيبة والشتم). لمعات التنقيح (8/ 139).
قال الكوراني -رحمه الله-:
«ما بين رِجْلَيْهِ ولَحْيَيْهِ» يشير إلى الزنا وقول الزور.الكوثر الجاري شرح صحيح البخاري للكوراني(10/350)
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال الداودي: المراد بما بين اللَّحْيَين: الفم، قال: فيتناول الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأتى بالفم من الفعل، قال: ومن تَحَفَّظَ من ذلك أَمِنَ من الشر كله؛ لأنه لم يبق إلا السمع والبصر، كذا قال، وخفي عليه أي: على الداودي أنه بقي البطش باليدين، وإنما محْمَل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب، فإذا لم ينطق به إلا في خير سَلِمَ. فتح الباري (11/310).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«وما بين رِجْلَيْهِ» يعني: فَرْجَهُ، فلم يستعمله فيما لا يحل له. شرح صحيح البخاري (10/186).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
«بين رِجْلَيْهِ» فَرْجه، لم يُصرِّح به؛ استهجانًا له، واستحياءً؛ لأنه كان أشد حياءً من البِكْرِ في خِدْرِها. شرح الموطأ (4/ 645).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال (يعني: الداودي): «وما بين رِجْلَيْهِ» يعني: الفَرْج، فمن حَفِظَ هذين سَلِم من الشِّر كُلّه؛ لأنه لم يبقَ إلا السمع والبصر، فإذا سمع أو رأى صار الفعل إلى الفم أو الفَرْجِ، فمن حَفِظَهُمَا كان أصل حِفْظِهِ أن يحمي سمعه وبصره مما يؤديه إلى فعل الفم والفَرْجِ. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/503).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رجليه» يريد فمه وفَرْجَهُ -والله أعلم- أنَّ أكثر الذنوب تكون على هذين، فيدخل فيما بين لَحْيَيْهِ الأكل والشرب والكلام والسكوت. المنتقى شرح الموطأ (7/ 312).

قوله: «أَضْمَنْ له الجنة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«أَضْمَنْ» بالجزم جواب الشرط، «له الجنة» أي: دخوله إياها. فيض القدير (6/243).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أَضْمَنْ» بالرفع على الاستئناف، وبالجزم جواب الشرط. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 342).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
المراد بالضمان الأول والثاني: لازمهما، وهو أداء الحق الأول، والمجازاة في الثاني، أي: من أدى الحق الذي على لسانه؛ مِن النطق بما يجب عليه، أو الصمت عما لا يَعْنيه، وأدى الحق الذي على فَرْجِهِ؛ مِن وضعه في الحلال، وكفِّهِ عن الحرام، جازيتُه بالجنة. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 457)
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أَضْمَنْ له الجنة» أي: دخولها، أو درجاتها العالية. مرقاة المفاتيح (7/3025).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يضمن له الجنة، يعني: أن جزاءه هو الجنة، إذا حفظتَ لسانك، وحفظتَ فَرْجَكَ، فَزَلَّةُ اللسان كَزَلَّةِ الفَرْجِ خطيرة جدًّا، وإنما قرن النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما: لأن في اللسان شهوة الكلام، كثير من الناس يتنطَّع ويتلذَّذ إذا تكلم في أعراض الناس، ويتَفَكَّهُ والعياذ بالله، {وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِين} المطففين:31، فنجده أحبّ شيء عنده أن يتكلم في أعراض الناس، ومن الناس من يَهوى الكذب، فنجد أحسنَ شيء عنده هو الكذب، والكذب من كبائر الذنوب، لا سيما إذا كَذَبَ بالكلمة ليضحك القوم؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «وَيْلٌ لِمَنْ حدَّث فكَذَبَ ليُضْحِكَ به القوم، ويلٌ له ثم ويلٌ له».
وأما الثاني الذي قَرنَ بينه وبين شهوة الكلام: فكذلك شهوة النساء؛ فإن الإنسان مجبول على ذلك، ولا سيما إذا كان شابًّا، فإذا حاول حِفْظَ هاتين الشهوتين، ضَمِنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- له الجنة، أي: هذا جزاؤه؛ لأنهما خطيران. شرح رياض الصالحين (6/118-119).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
المراد بضمان الرسول الجنة: التي تترتب عليه، وهو في الحقيقة من الله وبحكمه وأَمْرِهِ.
وقد وقع مثل هذا الضمان في مواضع متعددة منه -صلى الله عليه وسلم-، ويجوز للأنبياء مثل ذلك نيابة عن الله، وإخبارًا من جهته تعالى، وتسمية بعض الأنبياء بذي الكفل بهذا المعنى؛ فإنه تكفَّل لأمَّته بالجنة من اتبعه، وهذا في معنى قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} التوبة: 111، وحمَله الطيبي على التمثيل، نحو: أراك تُقَدِّم رِجْلًا وتُؤخِّر أخرى، فافهم. لمعات التنقيح (8/140).

قوله: «مَنْ تَوَكَّلَ لي»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: تَكَفَّلَ ...، وأصل التوكُّل: الاعتماد على الشيء والوثوق به. فتح الباري لابن حجر(12/113).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
والمراد من التوكُّل: حفْظُهما عن الفجور وقول الزور. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/350).

قوله: «توكَّلتُ له بالجنةِ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«توكَّلْتُ» تكفَّلْتُ «له بالجنة». إرشاد الساري (10/6).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «توكَّلْتُ له» من باب المقابلة.فتح الباري (12/113).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فالمعنى أنه: إذا ضَمِنَ له ذلك مِن نَفْسِه ضَمِنْتُ له أنا الجنة التي هو عاجز عن الوصول إليها، وكذلك يتكفل هو لي بما لا طاقة لي فيه من صيانة فَرْجِهِ ولسانه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (31/138).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وخَصَّ اللسان والفَرْجَ؛ لأنهما أعظم البلاء على الإنسان في الدنيا، فمن وُقِيَ شرهما وُقِيَ أعظم الشر. إرشاد الساري (9/273).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وأكثر بلاء الناس مِن قِبَلِ فُروجهم وألسنتهم، فمن سَلِمَ من ضرر هذين فقد سَلِمَ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- له كفيلًا بالجنة. شرح صحيح البخاري (8/ 428).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: دليل على أن أكبر الكبائر إنما هي من الفم والفَرْجِ، وما بين اللَّحْيَيْنِ الفم، وما بين الرِّجْلَين: الفَرْج، ومن الفم ما يَتولَّد من اللسان وهو كلمة الكفر، وقَذْف المحصنات، وأخذ أعراض المسلمين، ومِن الفم أيضًا: شرب الخمر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، ومن الفَرْجِ: الزنا، واللواط، ومن اتقى ما يأتي من اللسان والفَرْجِ فأحْرَى أن يتقي القتل -والله أعلم-. الاستذكار (8/565).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
دل بهذا الحديث: أن أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان والفَرْجُ، فمن وُقي شرهما فقد وُقِيَ أعظم الشر، ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يَزِلُّ بها في النار أَبْعَد مما بين المشرق والمغرب»؟. شرح صحيح البخاري (10/ 186).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وهذا تحذير من شهوة البطن والفَرْجِ، وأنها مُهْلِكة، وعمَلها يؤثر في القلب ما يؤثره جميع أعمال الجوارح، واللسان أخص؛ لأنه يؤدي عن القلب ما فيه من الصور، فتقتضي كل كلمة صورةً في القلب محاكية لها، فلذلك إذا كان كاذبًا حصَل في القلب صورة كاذبة، واعوجَّ به وجْهُ القلب، وإذا كان في شيء من الفضول اسودَّ به وجْهُ القلب، وأظْلَمَ حتى تنتهي كثرة الكلام إلى إماتة القلب؛ ولذلك قدمه المصطفى أي اللسان في الذكر اهتمامًا به. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 449).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أن مَن حَفِظَ لسانه وفَرْجَهُ عن الحرام دخل الجنة. تطريز رياض الصالحين (835).
وقال الشيخ عبد المحسن العَبَّاد -حفظه الله-:
وهذا الحديث من جوامع كَلِمِهِ -صلى الله عليه وسلم-، كلمة جامعة تدل على أن استعمال اللسان يكون إما في الخير وإما في الشر. شرح الأربعين النووية (19/4).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
ومِنْ أعظم ما يجبُ حِفْظُه من نواهي الله -عز وجل-: اللسانُ والفَرْجُ، وفي حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ حَفِظَ ما بَينَ لَحْيَيْهِ، وما بَينَ رِجليهِ، دَخَلَ الجنة» خرَّجه الحاكم. جامع العلوم والحكم (2/ 551).


ابلاغ عن خطا