«المؤمِنُ غِرٌّ كريمٌ، والفاجِرُ خَبٌّ لَئِيمٌ».
رواه أحمد برقم: (9118)، وأبو داود برقم: (4790)، والترمذي برقم: (1964)، والبخاري في الأدب المفرد برقم: (418)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6653) سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (935).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«غِرٌّ»:
بكسر غين معجمة، وتشديد راء مهملة، هو الذي لا يَعرف الشرَّ، أو يتغافل عنه إلى الخير. فتح الودود، للسندي (4/ 528).
«الفاجر»:
أي: الفاسق. السراج المنير، للعزيزي (4/ 339).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
الفاجر: هو الْمُنْبَعِثُ في المعاصي والمحارم، وقد فَجَر يَفْجُر فُجُورًا. النهاية (3/ 413).
«خَبٌّ»:
بفتح الخاء المعجمة وتُكسر: هو الخَدَّاع الساعي بين الناس بالشر والفساد. الترغيب والترهيب، للمنذري (3/ 382).
قال الطيبي -رحمه الله-:
الخَبُّ -بالفتح- الخدَّاع، وهو الجُرْبُز (والقُرْبُز أيضًا) الذي يسعى بين الناس بالفساد، يقال: رَجُلٌ خَبٌّ، وامرأته خَبَّةٌ، وقد تُكسر خاؤه، وأما المصدر فبالكسر لا غير. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3236).
وقال الجبي -رحمه الله-:
خِبٌّ بكسر الخاء، وهو الفِسْقُ، والخَبُّ بفتح الخاء هو الرَّجُل الفاسق (وعلى هذا فالخِبُّ المصدر الفِسْق أو الخِدَاع، بالكسر فقط، وغيره بالوجهين). شرح غريب ألفاظ المدونة (ص: 23).
«لَئِيمٌ»:
اللُّؤْمُ: ضد العِتْقِ والكرم، واللئيم: الدَّنيء الأصل، الشَّحِيح النفس. لسان العرب، لابن منظور (12/ 530).
قال الفيومي -رحمه الله-:
لئِيْمٌ: يقال ذلك للشحيح، والدنيء النفس والْمَهِين ونحوهم؛ لأن اللؤم ضد الكرم. المصباح المنير (2/ 561).
وقال الهروي -رحمه الله-:
اللئيم: الدَّنيء الأصل، الشحيح النفس، فإنَّ كُلَّ لئيم بخيل، وليس كل بخيل لئيمًا. الغريبين في القرآن والحديث (1/ 150).
شرح الحديث
قوله: «المؤمِنُ غِرٌّ كريمٌ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«المؤمنُ» أي: البارُّ. مرقاة المفاتيح (8/ 3179).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«غِرٌّ» بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء، أي: ليس بذي مَكْرٍ ولا دهاء، فهو يُخدع كثيرًا؛ لانقياده ولِيْنِهِ. شرح سنن أبي داود (18/ 449).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
الغِرُّ: الذي يَغُرُّه كل أحد، ويَغْتَرُّ بكل شيء، أي: ليس بذي نُكر، ينخدع؛ لانقياده ولِيْنِهِ، وسلامة صدره، وحسن ظنه بالناس. الميسر (3/ 1090).
قال البيضاوي -رحمه الله-:
الغِرُّ: الذي يكون سليم النفس، حسن الظن بالخَلق، يَغُرُّه الناس، وينخدع بأقوالهم وظواهر أحوالهم، والخَبُّ ضده. تحفة الأبرار (3/ 274).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
يريد أنَّ المؤمن المحمود مَن طْبَعُهُ الغَرارة، وقلة الفطنة للشر، وترْك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلًا، ولكنه كَرَم وحُسْن خُلُق.
(وقيل: هم) الذين لم يجرِّبوا الأمور، فهم قليلو الشر منقادون، فإنَّ مَن آثر الخمول وإصلاح نفسه والتزود لمعاده ونبذ أمور الدنيا فليس غِرًّا فيما قصد له، ولا مذمومًا بنوع من الذم. النهاية (3/ 354-355).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كريم» شريف الأخلاق، باذلٌ لما عنده. التنوير (10/ 451).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كريم» أي: موصوف بالوصفين، أي: له الاغترار لكرمه، وله المسامحة في حظوظ الدنيا، لا لجهله. مرقاة المفاتيح (8/ 3179).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «كريم» لأن كَرَمَه هو الذي يدفعه إلى أنه لا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور، بعكس الفاجر؛ فإنَّه خَبٌّ أو خِبٌّ، بمعنى أنَّه يقدم على أشياء فيها فساد، وفيها مضرة؛ لأن نفسه تشتهي ذلك، وتميل إليه، فيكون لؤمه هو الذي دفعه إلى أنْ يقدم على شغل نفسه بأمور محذورة فيها فساد ومضرة. شرح سنن أبي داود (545/ 16).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: المؤمن سهل سليم، لم يكن فيه حيلة ومكر؛ يعني: المؤمن الكامل من يكون بهذه الصفة. المفاتيح (5/ 253).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وقيل: المراد أنَّ المؤمن لكرم أخلاقه، وشرف طِباعه يُظهر لمن يخادعه الغَرارة، ولا يُقابله بقبيح ما عرفه من قبيح أمره، والفاجر لوقاحته ولؤم طبعه يُعامِل بالخداع، ويُظهر للخدَّاع ما أراد؛ ولذا يقال:
إنَّ الكريمَ وذا الإِسلام ينخدعُ. التنوير (10/ 452).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قد تقرر بأنه (يعني: المؤمن) سليم الصدر وحَسَن الظنِّ بالناس، ولم يجرِّب بواطن الأمور، ولم يطَّلع على دخائل الصدور، وهذا يكون في أمور الدنيا وما يتعلق بحقوق نفسه، ويعدُّ الأمر في ذلك سهلًا، ولا يبالي ولا يهتم به.
وأما في أمر الآخرة فهو متيقظ، مشتغِل بإصلاح دِينه، والتزوُّد لمعاده، ومع ذلك نبَّه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا يُلدغُ المؤمن من جُحْرٍ واحد مرتين» أنه لا ينبغي له أن ينخدع؛ تعليمًا للجزم، وقد سبق أنه عام في أمر الدنيا والآخرة، وقيل: ذلك مخصوص بأمر الآخرة. لمعات التنقيح (8/ 330).
قوله: «والفاجِرُ خِبٌّ لئِيمٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«والفاجر» أي: الفاسق «خَبٌّ لئيم» أي: جريء، فيسعى في الأرض بالفساد. فيض القدير (6/ 254).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«والفاجر» الفاسق «خَبٌّ» بفتح المعجمة: الخدَّاع، أو الساعي بالإفساد بين الناس. التنوير (10/ 451).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«والفاجر خَبٌّ» بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة، وقد تُكسر خاؤه، وهو الذي عادته الدهاء والخداع، الذي يَكثر دخوله في الشر، ويسعى بين الناس بالفساد، ومنه الحديث المتقدم: «من خَبَّبَ امرأة أو مملوكًا على مسلم فليس منا» أي: خَدَعَه وأفسده. شرح سنن أبي داود (18/ 449).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
الخَبُّ: بفتح الخاء الجُرْبُز الذي يسعى بين الناس بالفساد، وشاكلة الخَبِّ خلاف شاكلة الغِرِّ. الميسر (3/ 1090).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وقد يكون معنى قوله: «خَبٌّ» أنه يجتهد في الشيء الذي فيه مضرة، مثلما يقال: خَبَّ، بمعنى: أَقْدَمَ وأسرع، أو مِن التَّخْبِيب الذي هو الإفساد، مثل: تخبيب المرأة على زوجها. شرح سنن أبي داود (545/ 16).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لئيم» مِن لَؤُمَ بضم الهمزة، لُؤْمًا، فهو لئيم، يُقال ذلك للشحيح المكَّار الدنيء النفس الْمَهِين؛ لأنَّ اللؤم ضد الكرم. شرح سنن أبي داود (18/ 449).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لئيم» مظِنَّة لكل شر ومَكر. التنوير (10/ 451-452).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«خَبٌّ» بفتح خاء معجمة، وتُكسر، وتشديد موحدة، أي: خدَّاع، «لئيم» أي: بخيل لَجُوجٌ سيء الخُلق، وفي كلٍّ منهما الوصف الثاني سبب للأول، وهو نتيجة الثاني، فتأمَّل، فكلاهما من باب التذييل والتكميل. مرقاة المفاتيح (8/ 3179).
وقال الغزي -رحمه الله-:
قابَل المؤمن بالفاجر، وهو موافق لقول المحققين: إنَّ الإيمان قول وعمل ونيَّة، وأراد بالمؤمن الطائع المنبعِث في الطاعة، وبالفاجر العاصي المنبعث في المعصية. حسن التنبه لما ورد في التشبه (3/ 500).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال بعض العارفين: كنْ عُمَرِيّ الفعل؛ فإنَّ الفاروق يقول: مَن خدعنا في الله انخدعنا له، فإذا رأيتَ مَن يخدعك، وعلمتَ أنَّه مخادِع، فمِن مكارم الأخلاق أن تنخدع له، ولا تُفْهِمه أنك عرفت خِداعه، فإنك إذا فعلت ذلك فقد وفَّيت الأمر حقه؛ لأنك إنما عاملت الصفة التي ظهر لك فيها، والإنسان إنما يُعامل الناس لصفاتهم لا لأعيانهم، ألا تراه لو كان صادقًا مخادِعًا فعامله بما ظهر منه، وهو يسعد بصدقه، ويشقى بخداعه، فلا تفضحه بخداعه، وتجاهَل وتَصَنَّع له باللون الذي أراه منك، وادعُ له، وارحمه؛ عسى الله أنْ يرحمه بك، فإذا فعلت ذلك كنتَ مؤمنًا حقًّا، فالمؤمن غِرٌّ كريم؛ لأنَّ خُلق الإيمان يعطي المعاملة بالظاهر، والمنافق خَبٌّ لئيم، أي: على نفسه، حيث لم يسلك بها طريق نجاتها وسعادتها. فيض القدير (6/ 254).
وقال الغزي -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّ الخديعة ليست من أخلاق الأبرار، ولا اللؤم من صفاتهم. حسن التنبه لما ورد في التشبه (3/ 501).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: مدح الغِرَّة والكرم، وذم الحيلة واللؤم، والمراد: الغِرَّة عن أمور الدنيا ومعائشها، دون أمور الآخرة، وقيل: المراد به المؤمن الكامل، والفاجر الكامل، لا كل مؤمن وفاجر. الأزهار مخطوط لوح (428).