السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«تأكلُ النارُ ابنَ آدمَ إلا أثَر السُّجودِ، حَرَّمَ اللهُ على النارِ أنْ تأكلَ أثرَ السُّجودِ».  


رواه البخاري برقم: (7437)، ومسلم برقم: (182)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، مطولاً.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «تأكُلُ النارُ ابنَ آدمَ إلا أثرَ السُّجودِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«تأكُلُ النَّارُ ابنَ آدمَ» الذي يُعذَّب بها يوم القيامة، «إلا أثر السُّجود» من الأعضاء السبعة المأمور بالسُّجود عليها. التيسير(1/ 442).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«تأكُل النّارُ ابن آدم إلا أثر السُّجود» أي: تُهلِك أعضاءه، كما يُهلك الآكلُ ما يأكله، غير ما أُثِرَ فيه السُّجود من أعضائه السبعة. التنوير (4/ 598).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إلا أثر السُّجود» أي: إلا موضع أثر السُّجود. الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3533).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «إلا أثر السُّجود» أي: وضع أثر السُّجود، وهو الجبهة، وقيل: الأعظم السبعة.
فإنْ قلتَ: قال الله تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} التوبة: 35.
قلتُ: قيل: إنه نزل في أهل الكتاب، مع أنَّ الكَيّ غير الأكل. الكواكب الدراري (25/ 143).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «إلا أثر السُّجود» أي: موضع أثر السُّجود، والمراد: الجنس، فيشمل جميع أعضاء السُّجود، والتخصيص بالجبهة لا وجه له إلا باعتبار المواجهة أو شرفه. لمعات التنقيح (9/ 79).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الزين ابن المنير: تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله -سبحانه وتعالى-: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الفتح: 29؛ لأن وجوههم لا تؤثِّر فيها النّار؛ فتبقى صفتها باقية، وقال غيره: بل يعرفونهم بالغُرَّة، وفيه نظر؛ لأنها مختصة بهذه الأمة، والذين يخرجون أعمّ من ذلك. فتح الباري (11/ 456).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلَّى الله عليه وسلم-: «تأكُل النّار من ابن آدم إلا أثر السُّجود...» ظاهرُ هذا: أنَّ النّار لا تأكُل جميع أعضاء السُّجود السبعة التي يسجد الإنسان عليها، وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان.
وهكذا قاله بعض العلماء، وأنكره القاضي عياض -رحمه الله-، وقال: المراد بأثر السُّجود: الجبهة خاصة، والمختار الأول.
فإن قيل: قد ذكر مسلم بعد هذا مرفوعًا: «أنَّ قومًا يخرُجون من النّار يحترقون فيها إلا دارات الوجوه».
فالجواب: أنَّ هؤلاء القوم مخصوصون من جملة الخارجين من النّار بأنه لا يسلم منهم من النّار إلا دارات الوجوه، وأما غيرهم فيَسلَم جميع أعضاء السُّجود منهم؛ عملًا بعموم هذا الحديث، فهذا الحديث عامٌّ، وذلك خاصٌّ، فيعمل بالعام إلا ما خُصَّ -والله أعلم-. المنهاج (3/ 22).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: إنْ أراد أنَّ هؤلاء يُخَصُّون بأنَّ النّار لا تأكُل وجوههم كلها، وأنَّ غيرهم لا تأكُل منهم محل السُّجود خاصة وهو الجبهة، سلم من الاعتراض، وإلا يلزمه تسليم ما قال القاضي (عياض) في حق الجميع إلا هؤلاء، وإنْ كانت علامتهم الغُرَّة (بياض في الوجه بسبب الوضوء) كما تقدَّم النقل عمَّن قاله، وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الأمة، فيضاف إليها التحجيل، وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء، فيكون أشمل مما قاله النووي من جهة دخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفين والقدمين، ولكن ينقص منه الركبتان، وما استدل به القاضي من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار؛ لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة على قياس أحوال أهل الدنيا، ودلّ التنصيص على دارات الوجوه: أنَّ الوجه كله لا تؤثر فيه النّار إكرامًا لمحل السُّجود، ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها. فتح الباري (11/ 457).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
المراد من موضع السُّجود العضو الذي يقع عليه السُّجود، وهو الوجه أو جميع الأعضاء السبعة، كما اختاره النووي -رحمه الله تعالى-...، وهو الراجح عندي، ولا يشكل على هذا إفراد «موضع» لأنه مفردٌ مضاف، فيعم، وتسميته موضع السُّجود على سبيل المجاز؛ وذلك لأن السُّجود لا يتحقق إلا بوضع هذه الأعضاء، فكأنها مكان له -والله تعالى أعلم-. ذخيرة العقبى (14/ 30).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
أهل التوحيد لا تأكُل النّار منهم مواضع سجودهم؛ وذلك دليل على فضل السُّجود عند الله وعظمته، حيث حرم على النّار أن تأكُل مواضع سجود أهل التوحيد، واستدل بذلك بعض مَن يقول: إنَّ تارك الصلاة كافر؛ فإنه تأكُله النّار كله، فلا يبقى حاله حال عصاة الموحدين، وهذا فيمَن لم يصلِّ لله صلاة قط ظاهر. فتح الباري (7/ 241).

قوله: «حرَّم الله على النارِ أنْ تأكُل أثرَ السجودِ»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «حرَّم الله على النّار أنْ تأكُل من ابن آدم أثر السُّجود» أي: لم يجعل لها قدرةً على ذلك، ويجوز أنْ يخلق الله فيها إدراكًا يحرم عليها ذلك، وآثار السُّجود في الجبهة والأنف والكفين وأطراف القدمين من باطنهما والركبتين. التوضيح (30/ 108).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وحرَّم الله تعالى على النار» أي: منعها، «أنْ تأكل أثر السجود» أي: من وجوههم أو جباههم. مرقاة المفاتيح (8/ 3555).
وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله-:
«حرَّم» هذا إخبار عن مَنْع مولانا -جل جلاله- الحَرْق أنْ يصل إلى تلك الأعضاء بالقدرة، وأنَّ النار يخاطبها الحق سبحانه، فالذي أَذِنَ لها أنْ تحرق تحرقه، وما حرَّمه عليها لا تعتدي عليه. جمع النهاية في بدء الخير والغاية (2/31).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فإنه «حرَّم الله» -عزَّ وجلَّ- «على النّار أن تأكُل أثر السُّجود» إكرامًا لأعضاءٍ آثرت فيه خدمته تعالى عن إهلاكها.
وفيه: دليل أنَّ المصلّين يدخلون النّار، وتؤثر فيهم، وهذا في جماعة من عصاة المؤمنين لا خلاف فيه. التنوير (4/ 598).
وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله-:
هنا بحث وهو: لِمَ كرَّر القول: إنَّ ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، وهو -عليه السلام- قد أخبر أولًا: أنَّ مواضع السجود قد حرَّمها الله -عز وجل- على النار، فيكون تكرارًا لغير فائدة، وحاشا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنْ يقول شيئًا لغير فائدة؟
فالجواب: أنْ نقول: ما كرَّر -عليه السلام- ذِكْر أنَّها لا تأكل موضع السجود من ابن آدم بعد ذكر خروجهم إلا لزيادة فائدة ثانية، وهي أنَّ النار ليست مثلنا، حُرِّمَتْ الأشياء علينا، فمنا المجتنب لما حُرِّم عليه، ومنا الواقع فيه، وأنَّ النار طائعة جميعها لا تتعدى على ما حُرِّم عليها، حتى يخرجوا منها وهي لم تتعدَّ فيهم ما أُمِرَتْ، وفيه معنى زائد على ذلك: وهو أنَّ النار أكبر جَرْمًا مِنَّا وأشد، وهي لا تعصي، ونحن على حقارتنا وضعفنا نعصي، ففيه معنى شديد من التوبيخ للمخالفين لأمر الله -عز وجل-. جمع النهاية في بدء الخير والغاية (2/32).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«حَرَّم الله تعالى على النّار أن تأكُل أثر السُّجود»، وآثار السُّجود تكون في أعضائه السبعة، ولا يقال: فقد قال عقيب هذا: «فيخرجون خَلقًا كثيرًا قد أخذت النّار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه»، وهذا ينصّ على أنّ النّار قد أخذت بعض أعضاء السُّجود؛ لأنَّا نقول: تأخذ فتغيِّر، ولا تأكُل فتُذهب.
ولا يبعُد أنْ يُقال: إنَّ تحريم الصور على النّار إنما يكون في حق هذه الطائفة المشفوع لهم أولًا؛ لعُلوِّ رتبتهم على من يخرج بعدهم، فتكون النّار لم تقرب صُورهم، ولا وجوههم بالتغيير ولا الأكل -والله تعالى أعلم-. المفهم (1/ 448-449).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وحرَّم الله على النار أنْ تأكل من بن آدم أثر السجود» جواب عن سؤال مقدَّر تقديره: كيف يعرفون أثر السُّجود؟ مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم: «فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أَذِنَ الله بالشفاعة»؛ فإذا صاروا فحمًا كيف يتميَّز محل السُّجود من غيره حتى يعرف أثره؟
وحاصل الجواب: تخصيص أعضاء السُّجود من عموم الأعضاء التي دلَّ عليها من هذا الخبر، وأنَّ الله منع النّار أنْ تحرق أثر السُّجود من المؤمن، وهل المراد بأثر السُّجود: نفس العضو الذي يسجد، أو المُراد: مَن سجد؟ فيه نظر، والثاني أظهر. فتح الباري (11/ 456).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «حَرَّم الله عَلَى النّار أَنْ تأكُل أثَرَ السُّجود» علَّة لعدم أكل النّار أثر السُّجود، أي: لأن الله تعالى حرّم على النّار أكل أثر سجود بني آدم. البحر المحيط الثجاج (5/ 143).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«وحَرَّم الله على النّار أن تأكُل أثر السُّجود» يدل أنَّ الصلاة أفضل الأعمال؛ لما فيها من الركوع والسُّجود. شرح صحيح البخاري (2/ 423).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «وحَرَّم الله عَلَى النّار أنْ تأكُل آثار السُّجود» ... هو دال على أنَّ الصلاة أفضل الأعمال؛ لما فيها من الركوع والسُّجود، وقد صح أنَّه -صلَّى الله عليه وسلم- قال: «اعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة»، وصح أيضًا أنه قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ... ، ولعن الله إبليس؛ لإبائه عن السُّجود لعنةً أَبْلَسَهُ بها، وآيسه من رحمته إلى يوم القيامة. التوضيح (7/ 203).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
قوله: «حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود»، وهذا يبيِّن أنَّه يدخل النار أناس مصلون، يدخل النار موحدون ومصلون، لكن دخلوها بأعمال أخرى، دخلوها بالزنا بالربا بالعقوق، بأشياء أخرى من جرائمهم، فإذا أذن الله في إخراجهم، أمر الملائكة أن تخرجهم، وأمر الشفعاء أن يشفعوا، فيخرج من النار من كان لا يشرك بالله شيئًا من أهل التوحيد والإسلام الذين أوبقتهم الذنوب، وأدخلتهم الذنوب النار -نسأل الله العافية-.
ويُعرفون بآثار السجود في الصلاة؛ لأن الله حرّم على النار أنْ تأكل آثار سجود ابن آدم، هذا من العلامات التي تبقى يعرفونهم بها، وهذا من حكمته وعدله -سبحانه وتعالى- حتى يميّز هؤلاء من هؤلاء، يميّز أهل الخلود من الكفرة عن من لم يحكم لهم بالخلود والبقاء في هذا حتى يخرج.
وهذا يفيد الحذر، وأنه لا ينبغي للعاقل أنْ يغترَّ ويقول: إنَّه من المصلين، أو من المُزكِّين، ثم يُسرِفُ على نفسه فيما حرّم الله عليه. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (ص: 151-152).
وقال الشيخ الغنيمان -رحمه الله-:
في هذا: دليل على فضل السُّجود لله تعالى، وهو من آيات الله تعالى الدالة على قدرته الباهرة، حيث تأكُل النّار جسم ابن آدم إلا هذه المواضع المختلفة في البدن، فإنها لا تضرها ولا تغيرها؛ لأن الله حرمها عليها، والنّار لا تأكُل إلا ما أمرها الله بأكله. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/ 101).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
دليل على أنَّ عذاب المؤمنين المذنبين بالنّار خلاف عذاب الكافرين، وأنها لا تأتي على جميعِهم، ألا تراه كيف قال: «امْتَحَشُوا»، وذكر أنها لا تأكُل منهم ما ذُكِرَ، إما إكرامًا لمواضع السُّجود؛ ولعظم مكانه من الإيمان والخضوع إلى غايته لله تعالى، أو لكرامة تلك الصورة التي خُلق آدم والبشر عليها، وفضَّلهم بها من بين سائر خلقه، وخص أهل الإيمان بهذه الفضيلة، وذِكْرُه الصور ودارات (جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه) الوجوه في الأحاديث الأخر يدل بأنَّ المراد بأثر السُّجود في الوجه: خلاف ما ذهب إليه بعضهم أنه في سبعة أعضاء السُّجود، وقد ذُكِرَ في الحديث: «أنَّ منهم مَن تأخذه النّار إلى نصف ساقيه وإلى رُكبتيه»؛ فدلَّ أنَّ عذاب المؤمنين فيها بخلاف عذاب غيرهم. إكمال المعلم (1/ 560-561).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: الأول منصوص، والثاني مُحتمل، لكن يُشكل عليه أنَّ الصورة لا تختصُّ بالمؤمنين، فلو كان الإكرام لأجلها لشاركهم الكفار، وليس كذلك. فتح الباري (11/ 457).
وقال ابن الملقن -رحمه الله- مُعلقًا على كلام القاضي عياض:
كأنَّه اعتمد على ما في مسلم: «إنَّ قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم»، وقد يُجاب: بأنَّه أراد: المرائي أو قومًا مخصوصين بأعيانهم، إما لأنهم أخلصوا في غسل وجوههم فقط... أو لأمرٍ آخر. التوضيح (7/ 204).
وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله-:
يكون الخوف على مَن ترك الصلاة أشدّ؛ لأنَّه يُخاف عليه التبديل عند الموت، وإنْ مات على الشهادة، فيُخاف عليه أنْ لا يخرج مع هؤلاء المؤمنين؛ لعدم العلامة عنده. جمع النهاية في بدء الخير والغاية (2/31).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا: أنَّ مَن كان مُسلمًا، ولكنه كان لا يصلي لا يخرج؛ إذ لا علامة له.
لكن يُحمل على أنه يخرج في القبضة؛ لعموم قوله: «لم يعملوا خيرًا قط» ... ، وهل المراد بمَن يسلم من الإحراق: مَن كان يسجد أو أعمّ من أن يكون بالفعل أو القوة؟ الثاني أظهر؛ ليدخل فيه مَن أسلم مثلًا، وأخلص، فبَغَتَه الموت قبل أنْ يسجد. فتح الباري (11/ 457).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الحديث أَدَلُّ دليل على أنَّ أهل الكبائر من أهل التوحيد؛ لا تَسْوَدُّ لهم وجوهٌ، ولا تَزْرَقُّ لهم عيونٌ، ولا يغلون بخلاف الكفار. فتح القريب المجيب (14/ 320-321).
وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله-:
فيه: دليل على فضل العبادة؛ إذ مع استيجاب العقاب، لا تُعذَّب تلك المواضع. جمع النهاية في بدء الخير والغاية (2/31).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي هذا الحديث): ...
1. منها: فيه أنَّ النار مع عِظَمِها وشِدّتها لا تتجاوز الحد الذي أُمِرت بإحراقه، والآدميّ مع حَقَارة جَرْمه يُقْدِم على المخالفة، ففيه معنى شديد من التوبيخ، وهو كقوله تعالى في وصف الملائكة: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم: 6، ففيه إشارةٌ إلى توبيخ الطُّغَاة والْعُصَاة.
2. ومنها: بيان أنَّ جماعةً من مذنبي هذه الأمة يُعَذّبون بالنار، ثم يُخْرَجون بالشفاعة والرحمة، خلافًا لمن نَفَى ذلك عن هذه الأمة، وتأوّل ما ورد بضروب مُتَكَلَّفة، والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك.
3. ومنها: أنَّ تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار؛ لاختلاف مراتبهم، مِن أخذ النار بعضهم إلى ساقه.
4. ومنها: بيان أنَّ النار لا تأكل أثر السجود، وأنهم يموتون كما ثبت في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، فيكون عذابهم إحراقهم، وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين، بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلًا؛ ليذوقوا العذاب، ولا يَحْيَوْن حياةً يستريحون بها، على أنَّ بعض أهل العلم أَوّل ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله: «يموتون فيها إماتةً» بأنه ليس المراد: أنْ يحصل لهم الموت حقيقةً، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم؛ وذلك للرفق بهم، أو كَنَّى عن النوم بالموت، وقد سَمَّى الله النوم وفاةً، ووقع في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أنهم إذا دخلوا النار ماتوا، فإذا أراد الله إخراجهم أَمَسَّهُم أَلَمَ العذاب تلك الساعة». البحر المحيط الثجاج (5/ 160-162)


ابلاغ عن خطا