«مَن كُسِرَ أو عَرَجَ، فقد حَلَّ، وعليه الحجُّ من قابِلٍ».
رواه أحمد برقم: (15731)، وأبو داود برقم: (1862) واللفظ له، والترمذي برقم: (940)، والنسائي برقم: (2861)، وابن ماجه برقم: (3078)، من حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري -رضي الله عنه-.
وزاد أبو داود وابن ماجه: «أو مرض».
صحيح الجامع برقم: (6521)، صحيح أبي داود برقم: (1627).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«كُسِرَ»:
الكاف والسِّينُ والرَّاءُ: أصلٌ صحيح، يدل على هشْمِ الشَّيْء وهَضْمِهِ، من ذلك قولك: كَسَرْتُ الشيءَ أكسِرُهُ كَسرًا. مقاييس اللغة، لابن فارس (5/ 180).
وقال المطرزي -رحمه الله-:
و«كُسِر» أي: انكسرَتْ رجلُه. المغرب(2/ 219).
«عَرَجَ»:
عَرَجَ يَعْرُجُ: إذا غَمَز من شيء أصابه. غريب الحديث، للخطابي (1/ 468).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
(عرَج) أَصابه شيءٌ في رِجْله فخَمَعَ، وليس بخِلْقَةٍ، فإذا كان خِلْقَةً فَعَرِجَ. تاج العروس، للزبيدي (6/ 94).
«حَلَّ»:
حلَّ المحرم يَحِلُّ حلالًا وحِلًّا، وأَحلَّ يُحِلُّ إِحلالًا: إذا حلَّ له ما يَحرم عليه من محظورات الحجِّ. النهاية، لابن الأثير (1/ 428).
شرح الحديث
قوله: «مَن كُسِرَ أَو عَرِجَ»:
قال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «مَن كُسِر» بضم الكاف، وكسر السين، «أو عرج» زاد أبو داود في رواية له: «أو مرض». تحفة الأحوذي (4/ 9).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
هذا الحديث أورده المعتبرون من أصحاب كتب الأحكام؛ كأبي محمد الدارمي وأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائي، ولم نجد في شيء منها: «أو مرض»؛ فلعل المؤلف نقله مما سواها من الكتب، ولا أراه رُمِي الحديث بالضعف إلا من قبيل هذه الزيادة، وإنْ لم يكن كلا القولين من تزيد بعض النُّسَّاخ، وإلا فحديث حجاج -على ما نبينه- ليس بمستضعف، وقد ذكر الترمذي: أنه حديث حسن. الميسر (2/ 635).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وغير المرض من الأعذار مثل إعواز النفقة والضلال في الطريق، والخطأ في العدد، كما قال البندنيجي عند الشرط وعدمه كالمرض. شرح سنن أبي داود (8/ 474).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مَن كُسِرَ» على بناء المجهول، «أو عَرج» بكسر وبفتح. مرقاة المفاتيح (5/ 1862).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: مَنْ حَدَثَ له بعد الإحرام مانع غير إحصار العدو، وعجز عن إتمام أركان الحج كالمرض وغيره، يجوز له أنْ يترك الإحرام، ويرجع إلى وطنه؛ ليجيء في سنة أخرى بعدما زال ذلك العذر، ويقضي ذلك الحج كالمحصر. المفاتيح (3/ 356).
وقال السندي -رحمه الله-:
أي: مَن أحرم ثم حدث له بعد الإحرام مانع من الْمُضِيّ على مُقتَضى الإحرام غير إحصار العدو، بأن كان أحد كسر رجله، أو صار أعرج من غير صَنِيع من أحد، يجوز له أنْ يترك الإحرام، وإنْ لم يشترط التَّحَلُّل، وقيَّده بعضهم بالاشتراط، ومن يرى أنَّه من باب الإحصار لعلَّه يقول: معنى حل: كاد أن يحل قبل أن يصل إلى نُسكه، بأن يبْعَث الهدي مع أحد، ويواعده يومًا بعينه يذبحها فيه في الحرم فيتحلل بعد الذّبح. حاشيته على سنن النسائي (5/ 198).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: حجة لمن رأى الإحصار بالمرض والعذر للمحرم، من غير حبس العدو، وهو مذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي، وقد روي ذلك عن عطاء وعروة والنخعي.
وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق: لا حصر إلا حصر العدو، وقد روي ذلك عن ابن عباس، وروي معناه أيضًا عن ابن عمر، وعلل بعضهم حديث الحجاج بن عمرو بأنه قد ثبت عن ابن عباس: أنه قال: «لا حصر إلا حصر العدو»؛ فكيف يصدق الحجاج فيما رواه من أنَّ الكسر حصر؟! وتأوله بعضهم على أنه إنما يحل بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضُباعة بنت الزبير، قالوا: ولو كان الكسر عذرًا لم يكن لاشتراطها معنى، ولا كانت بها إلى ذلك حاجة. معالم السنن (2/ 188).
وقال التوربشتي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قوله (أي الخطابي): «فكيف يصدق الحجاج»؛ فتوهم بعضُ الناس أنَّ المراد منه الحجاج بن عمرو، وَمَعَاْذَ الإله أنْ يرمي مُتَدَيِّنٌ بدين الإسلام أحدًا من الصحابة بمثل هذا القول، فإنهم صُدُق أبرار وعدول مقانع، لا سيما فيما نقلوه من أمر الدِّين، ولو وهم أحدهم أو سها أو غلط، أو سمع ظاهر القول ولم يفهم باطنه، فالأدب أنْ يُحكى ذلك منه ملتبسًا بالتوفير والتبجيل حفظًا لحرمة الصحبة.
وإنَّما المراد: الحجاج الصواف، وهو أحد رواة هذا الحديث ذكره الترمذي، فأثنى عليه؛ فقال: وحجاج ثقة حافظ عند أهل الحديث. الميسر (2/ 636).
وقال التوربشتي -رحمه الله- أيضًا:
لو ثبت عنه (أي: ابن عباس) أيضا: «لا حصر إلا حصر العدو»؛ فالسبيل أنْ يؤول لئلا يخالف حديث حجاج عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وليوافق رواية سعيد بن جبير عنه.
ورأيتُ التأويل الجامع بين ما ذكروه أنْ نقول: «لا حصر إلا حصر العدو» بمثابة قول من قال: «لا هَمَّ إلا الدَّيْن»؛ وذلك لأن الحصر بالعدو من أعظم أسباب الحصر؛ لأنه متعلِّق بالعموم، وغيره متعلِّق بالخصوص والأفراد، كما كان من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين صد عن البيت، وأحصر بالعدو...، فهذا معنى قوله: «لا حصر إلا حصر العدو». الميسر (2/ 637).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
نحن نقول: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال هذا في الرجل من أهل مكة يهل بالحج منها، ويطوف ويسعى، ثم يكسر أو يعرج أو يمرض، فلا يستطيع حضور المواقف، إنه يحل في وقته، وعليه حج قابل والهدي، وكذلك الرجل يقدم مكة معتمرًا في أشهر الحج، ويقضي عمرته، ثم يهل بالحج من مكة، ويكسر أو يصيبه أمر لا يقدر معه على أن يحضر مع الناس المواقف: إنه يحل، وعليه حج قابل والهدي. تأويل مختلف الحديث (ص:456).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أنَّ الحصر يكون بالمرض، فإنَّ لفظ الإحصار إنَّما هو للمرض، يقال: أحصره المرض، وحصر العدو، فيكون لفظ الآية صريحًا في المريض، وحصر العدو ملحق به، فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل؟! حاشيته على سنن أبي داود (5/ 223).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أنَّ مَن قال: بثبوت الإحصار بغير العدوّ، كالكسر والعرج هو الحقّ؛ لحديث الباب.
فإن قيل: يلزم من هذا عدم فائدة الاشتراط الوارد في حديث ضُباعة -رضي اللَّه تعالى عنها-، حيث أمرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنْ تشترط في إحرامها إذا منعها مانع تتحلل عنده؛ لأنه إذا كان نفس المانع من المرض ونحوه يتحلل به المحرم لم يكن للاشتراط فائدة.
أُجيب: بأنَّ فائدة الاشتراط عدم وجوب دم الإحصار به، فلو حصل له الإحصار وقد اشترط، جاز له التحلُّل، ولا دم عليه، وإنْ لم يشترط وجب عليه الدم، وهذا وجه. ذخيرة العقبى (25/ 63).
قوله: «فقد حَلَّ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقد حل» أي: يجوز له أنْ يترك الإحرام، ويرجع إلى وطنه. مرقاة المفاتيح (5/ 1862).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
«فَقَدْ حَلَّ» أي: فقد حلَّ له أن يَحِلَّ بما يَحِلُّ به المُحْصَرُ من النَّحرِ أو الذبح، لا أنَّهُ قد حلَّ بذلك من إحرامه. التمهيد (15/ 211).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
التحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرجُ فِي الاصطبار عليه مع المرض أشدّ وأعظم. لمعات التنقيح (5/ 441)
وقال ابن بطَّال -رحمه الله-:
يحتمل أنْ يكون معناه: فقد حل له أن يحل إذا نحر الهدي في الحرم، لا على أنه قد حَلَّ بذلك من إحرامه، كما يقال: حَلَّتْ فلانة للرجل: إذا خرجت من عدتها، ليس على معنى: أنها قد حلت للأزواج، فيكون لهم وطؤها، ولكن على معنى: أنهم قد حل لهم تزويجها، فيحل لهم حينئذٍ وطؤها، هذا سائغ في الكلام، وهذا يوافق معنى حديث ابن عمر: أن النبي -عليه السلام- لم يحل من عمرته بحصر العدو إياه حتى نحر الهدي، ومعنى هذا الحديث عند أهل المقالة الأولى «فقد حل» -يعني: إذا وصل البيت فطاف وسعى- حلًّا كاملًا، وحَلَّ له بنفس الكسر والعرج أن يفعل ما شاء من إلقاء التفث ويفتدي، وليس للصحيح أن يفعل ذلك. شرح صحيح البخاري (4/ 459).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
فإنْ قيل: فما وجه قوله: «فقد حلَّ»، والمتمسك بهذا الحديث يرى أنَّ المحصر ليس له أنْ يحل حتى يبلغ الهدي محله، وعنده أنَّ محله مكانه الذي يجب أنْ ينحر به وهو الحرم، فكيف بقوله: «فقد حلَّ» ولم يبلغ الهدي محله؟
قلنا: قد قيل: عن وجهه: وقد حلَّ له أنْ يحل من غير أنْ يصل إلى البيت، ومثله قولك للمرآة إذا انقضت عدتها: قد حلت للرجل، يعني: أنْ يخطبها ويعقد عليها.
ويجوز أنْ يكون بمعنى المقاربة، أي: قرب ذلك وجاز، كقولك: من بلغ ذات عرق، فقد حج. الميسر (2/ 637).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وضعفه (أي: هذا الحديث) الشيخ (أي: البغوي) في هذا الكتاب، ونسبه إلى بعض المحدثين في شرح السُّنة، وعلله بأنَّه معارض بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: «لا حصر إلا حصر العدو»، وحُكي عن بعضهم: أنهم أولوه بما إذا كان قد شرط ذلك، وفيهما نظر، أما الأول: فلأن قول ابن عباس لا يعارض الحديث المرفوع، فكيف يُوجِب وهنه؟! اللهم إلا إذا ثبت رفعه، فيُرجَّح بفضل الراوي وشهرته، وأما الثاني: فلأنه تقيد بلا دليل. تحفة الأبرار (2/ 189).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لم يختلف العلماء فيمَنْ كُسِرَ أو عرجَ أنه يحِلُّ، ولكن اختلفوا فيما به يحِلُّ، فقول مالك: إنه يحِلُّ بالطَّوافِ بالبيتِ، لا يحِلُّهُ غيره.
ومَن خالف مالكًا في ذلك من الكُوفيِّينَ يقولُ: يحِلُّ بالنِّيَّةَ، وفِعلِ ما يُتحلَّلُ به، على ما وَصَفنا عنهُم، وأبو ثور يقولُ بظاهر حديث الحجّاج بن عمرو، على ما ذَكَرنا عنه، ولم يقل أحد: إنه بنَفْسِ الكَسْرِ يكونُ حلالًا غير أبي ثور، وتابعه داود، وبعض أصحابه. التمهيد (9/ 471).
وقال المازري -رحمه الله-:
«فَقد حلّ» معناه: عندنا على أنه يحلّ بوصوله إلى البيت واعتماره؛ إذ ظاهره: أن يحل بنفس الكسر والعَرَج، وهذا لا يصح، ولا بد من حمله على تأويل يصح، وللشافعية القائلين بأنَّ الاشتراط في الحج يصح على ما تقدم بيانه: أن يحملوا الحديث على أنَّه اشترط الإِحلال بالكسر والعَرَج. المعلم (2/ 103).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
اختلف الناس في تأويله (أي: هذا الحديث) على ثلاثة أقوال:
الأول: قاله جماعة من السلف وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، وهو قول علمائنا: لا يحلُّه إلا الطواف بالبيت.
الثاني: قال ابن مسعود: يبعث بهديه ويواعده صاحبه بیوم نحره، فيحلّ بهذا، وبه قال العراقيون وعطاء.
وقال أبو ثور: يحلّ في موضعه في الحال.
(قلتُ): الذي عندي أنَّه إنْ قَدِر أنْ يصل إلى البيت، فحله حل العمرة: الطواف والسعي حتى يقضي، وإنْ لم يقدر لطول مرضه، وبعد داره حل في موضعه، وكان بمنزلة العدو، وقد بينَّا أدلة القرائن في الأحكام -والله أعلم-، وباب الاشتراط في حديث ضُباعة يقوي هذا، فإنه قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قولي: اللهم ومحلي من الأرض، حيث حبستني»، ومَن يقل بذلك دون الشرط يستغني عنه، ومَن لا يقول بهذا فلا ينفعه الشرط عنده، فصار في المسألتين ثلاثة أجوبة:
أحدهما: أنَّ الشرط لا يحتاج إليه، وأن الحكم كذلك.
الثاني: أنَّ الشرط ينفع، وهو وسط.
الثالث: أنَّ الشرط لا ينفع، وهو إسقاط للأحاديث بالجملة، وذلك عسير. عارضة الأحوذي (4/135-136).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
اختلفوا فيمَن أُحصر بمرض، فقال مالك: لا يجوز له التحلل دون البيت بالطواف والسعي، ثم عليه حج قابل والهدي، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن ابن عمر وابن عباس.
وقال أبو حنيفة: المحصر بالمرض كالمحصر بالعدو، يبعث بهديه إلى الحرم، فإذا علم أنه نُحِرَ عنه حل في مكانه من غير عمل عمرة، وإنما لم يَرَ عليه عُمرة؛ لأنه محرم والعمرة تحتاج إلى إحرام مستأنف، ولا يدخل إحرام على إحرام، وهو قول النخعي وعطاء والثوري.
واحتجوا بالحديث السالف هناك «مَن كسر أو عرج فقد حلَّ، وعليه الحج من قابل»؛ فيحتمل أنْ يكون معناه: فقد حل له أنْ يحل إذا نحر الهدي في الحرم، لا على معنى: أنه قد حل بذلك من إحرامه، كما يُقال: حلت فلانة للرجال إذا خرجت من عدتها، ليس على معنى: أنها قد حلت للأزواج فيكون لهم وطؤها، ولكن على معنى: أنه قد حل لهم تزويجها فيحل لهم حينئذٍ وطؤها، وهو سائغ في الكلام، وهذا موافق معنى حديث ابن عمر أنه -عليه السلام- لم يحل من عمرته بحصر العدو إياه حتَّى نحر الهدي.
ومعنى هذا الحديث عند أهل المقالة الأولى «وقد حل» -يعني: وصل البيت وطاف وسعى- حلًّا كاملًا، وحل له بنفس العرج والكسر أنْ يفعل ما شاء من إلقاء التفث ويفتدي، وليس للصحيح أن يفعل ذلك. التوضيح (12/ 286-287).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
ذهب أكثرهم إلى أنه لا يحل بنفس الكسر والعرج، وخالفوا ظاهر هذا الحديث، فيشبه أنْ يكون هذا إنْ صح واردًا فيمن كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام، فيحل عند وجود الشرط، وعليه حجة أخرى إن كان يقضي فرضًا، فلم يأتِ به، وقد حمله بعض أصحابنا على أنه يحل بعد فواته بما يحل به مَن يفوته الحج بغير مرض -والله أعلم-. معرفة السنن والآثار (7/ 495).
وقال النووي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
هذا التأويل الذي حكاه البيهقي محتمل، ولكن المشهور في كُتب أصحابنا (الشافعية): حمله على ما إذا شرط التحلل به -والله أعلم-. المجموع، شرح المهذب(8/ 310).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
احتج أبو حنيفة بهذا الحديث على جواز التحلل بعذر المرض، وإن لم يشترط، وقال الشافعي والأكثرون: لا يجوز؛ لحديث ضباعة الصحيح المقيِّد، وقالوا: هذا محمول على الشرط في عقد الإحرام.
واحتج مَن يرى القضاء على المحصر بهذا الحديث أيضًا، وقال الجمهور: محمول على الفرض. الأزهار مخطوط لوح (259).
وقوله: «وعليه الحَجُّ من قَابِل»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وعليه الحج من قابل» أي: يقضي ذلك الحج من السَّنة الآتية. مرقاة المفاتيح (5/ 1862).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
أما قوله: «وعليه الحج من قابل» فإنَّما هذا فيمن كان حَجُّه عن فَرض، فإنما المتطوع بالحج إذا أُحصر فلا شيء عليه غير هدي الإحصار، وهذا على مذهب مالك والشافعي، وقال أصحاب الرأي: عليه حجة وعمرة، وهو قول النخعي، وعن مجاهد والشعبي وعكرمة عليه حجة من قابل. معالم السنن (2/ 189).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وعليه الحج من قابل» إنْ كان ما أحرم به واجبًا عليه مستقرًّا في ذِمته كالقضاء والنذر وحجة الإسلام، وإن كان نسكه تطوعًا فلا قضاء عليه؛ لأنه تطوع أبيح الخروج منه، فإذا خرج لم يلزمه القضاء كصوم التطوع. شرح سنن أبي داود (8/ 474).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«وعليه الحجُّ من قابل» أي: يقضيه في السَّنة القابلة كالْمُحصر، وبهذا قال أبو حنيفة -رحمه الله-: يجوز أن يخرج عن الإحرام بعذر غير الإحصار. شرح المصابيح (3/ 351).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
«وعليه الحج من قابل» ولو كان على التراخي لم يعين العام القابل، ووجهها من أثر عمرو من الأحاديث التي ذكرناها ظاهر، وإلى القول بالفور ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد، وبعض أصحاب الشافعي، ومن أهل البيت زيد بن علي والهادي والمؤيد بالله والناصر، وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم وأبو طالب: إنه على التراخي. نيل الأوطار (4/ 337).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
ما يُؤخَذ من الحديث:
1. يدل الحديث على أنَّ المحرم بحج أو عمرة إذا أصابه عذر منعه من إكمال نسكه: من كسرٍ أو مرضٍ، أو حادثٍ، فإنَّه يحل من إحرامه بحصول ذلك المانع.
2. قال ابن القيم: لو لم يأتِ نصٌّ بحل المحصَر بالمرض لكان القياس على المحصر بالعدو يفيده، فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه.
3. عليه القضاء من قابل لقوله: «وعليه حجة أخرى». توضيح الأحكام (4/ 210).