«خَرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُهِلِّينَ بالحجِّ، معنا النساءُ والولدانُ، فلمَّا قدِمنَا مكة طُفْنَا بالبيتِ وبالصَّفا والمَروةِ، فقال لنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ لم يكنْ معه هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، قال: قلنا: أيُّ الحلِّ؟ قال: الحِلُّ كُلُّهُ، قال: فَأَتَيْنَا النساءَ، ولبسْنَا الثياب، ومَسسْنَا الطِّيبَ، فلمَّا كان يومُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بالحج، وكَفَانَا الطواف الأوَّلُ بينَ الصفَا والمروة، فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ نَشْتَرِكَ في الإبِلِ والبقرِ، كلُّ سَبْعَةٍ منَّا في بَدنةٍ».
رواه مسلم برقم: (1213)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«مُهِلِّينَ»:
أي: مُحْرِمين، وانتصابه على الحال. عمدة القاري، للعيني (13/ 65).
«التروية»:
التروية بالتاء المثناة فوق، وهو الثامن من ذي الحجة، سُمِّي بذلك؛ لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء، أي: يحملونه معهم من مكة إلى عرفات؛ ليستعملوه في الشرب وغيره. المنهاج، للنووي (8/ 96).
وقال الفيروز آبادي -رحمه الله-:
أو لأنَّ إبراهيمَ -عليه السلام- كانَ يَتَرَوَّى ويتفكر في رُؤْياهُ فيه، وفي التاسِعِ عَرَّفَ، وفي العاشِرِ اسْتَعْمَلَ. القاموس المحيط، للفيروز أبادي (ص: 1290).
وقال يحيى العمراني -رحمه الله-:
قال الصيمري: وسُمي يوم التروية؛ لأن جبريل -عليه السلام- أُري إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مناسكه في هذا اليوم.
وقيل: لأن آدم -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- رأى حواء فيه، عندما أُهبط إلى الأرض.
وقيل: لأن الناس يتروون الماء، ويحملونه في الروايا إلى منى، وهذا هو المشهور. البيان (4/ 309-310).
«بدَنةٍ»:
البدنة: اسم يقع على الناقة والبقرة المهداتين إلى البيت. الاقتضاب، لليفرني(1/ 423).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
البدنة سُمِّيت بدنة لسمنها وعظمها، يقال: بَدُنَ الإنسانُ يَبْدُنُ فهو بَادِن: إذا سَمِنَ. الزاهر(ص: 126).
شرح الحديث
قوله: «خرجنا مع رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُهِلِّينَ بالحجِّ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» إلى مكة «مهلين» أي: محرمين «بالحج» من ذي الحُلَيْفَة. الكوكب الوهاج (13/ 451).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «مهلين بالحج» يدل على الإفراد، وقد جاء غير ذلك، والظاهر: أنَّ هذا محمول على الأكثر، وبه يظهر التوفيق (أي: بين الأدلة). حاشيته على مسند أحمد (3/324).
قوله: «معنا النساءُ والولدانُ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «معنا النساء والولدان» أي: الأولاد. الكوكب الوهاج (13/ 451).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «معنا النِّساءُ والولدانُ» بكسر الواو، جمع: وَليد، وهم الصبيان. البحر المحيط الثجاج (22/ 603).
قوله: « فلما قدِمنا مكة طُفنا بالبيت وبالصفا والمروة »:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «فلمّا قدِمَنا مكة، طُفنا بالبيت، وبالصفا والمروة» أي: درنا حول البيت، وسعينا بين الصفا والمروة. الكوكب الوهاج (13/ 451).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الطواف: يُراد به الدور الذي يشمل السعي، فصح العطف، ولم يحتج إلى تقدير عامل، وجعله نظير: علفتها تبنًا وماءً باردًا. مرقاة المفاتيح(5/ 1778).
قوله: «فقال لنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ لم يكنْ معه هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«معه هَدْي» بإسكان الدال، وتخفيف الياء، وبكسر الدّال وتشديد الياء، والأولى أفصح وأشهر: اسم لما يُهدى إلى الحرم من الأنعام، وسوق الهدي سُنة لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة. إرشاد الساري (3/ 119).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «فليحلل» أي: ليصر حلالًا؛ وليخرج من إحرامه بعد فراغه من أفعال العمرة. مرقاة المفاتيح (5/ 1768).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
ومعنى قوله: «فليحلل» أنهم كانوا قد أحرموا بالحج، فلما وصلوا إلى مكة، وطافوا وسعوا، بقي عليهم من أعمال الحج: الوقوف والرمي والحلق وغير ذلك من باقي أعماله، فأمرهم أنْ ينقضوا فيه الحج، ويجعلوا بدله عمرة، ويحلوا؛ لأن العمرة تنقضي بالطواف والسعي والحلق أو التقصير. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 419).
قوله: «قال: قلنا: أيُّ الحلِّ؟ قال: «الحِلُّ كُله»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قال» جابر «قلنا» لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أي: الحل؟» هذا الحل؟ أي: هل هو الحل العام لكل ما حرم بالإحرام حتى الجماع أو حل خاص؟
«قال» لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هو «الحل كله» حتى الجماع الكوكب الوهاج (13/ 452).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أي الحل؟» أي: الحل عن بعض المحرمات أو عن كلها؟ فبيَّن لهم أنه الحل عن كلها. حاشيته على مسند أحمد (3/324).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قولهم لما أمرهم بالتحلل من الحج بالعمرة: «أيُّ الحِلّ؟» سؤال مَن جوَّز أنه يحل من بعض الأشياء دون بعضها، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الحل كله» أي: لا يبقى معه شيء من ممنوعات الإحرام بعد التحلل المأمور به. المفهم (3/ 320).
قوله: «قال: فأتينا النساءَ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «قال» جابر «فأتينا النساء» أي: جامعناها. الكوكب الوهاج (13/ 452).
قوله: «ولبسنا الثياب»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «ولبسنا الثياب» المخيطة. الكوكب الوهاج (13/ 452).
قوله: «ومَسِسْنَا الطِّيبَ»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «ومَسِسْنَا الطيب» هو بكسر السين الأولى، هذه اللغة المشهورة، وفي لغة قليلة بفتحها، حكاها أبو عبيد والجوهري. شرح مسلم (8/ 161).
قوله: «فلمَّا كان يومُ التَّروِيةِ، أَهللنا بالحجِّ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «فلمَّا كان يومُ التَّرويةِ» (كان) هنا تامَّة، فـ(يومُ) مرفوع على الفاعليَّة؛ أي: فلما جاء يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة. البحر المحيط الثجاج (22/ 604).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «فلما كان يوم التروية» وجاء وهو اليوم الثامن «أهللنا» أي: أحرمنا «بالحج». الكوكب الوهاج (13/ 452).
قوله: «وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «وكفانا الطواف الأول» أي: السعي الأول «بين الصفا والمروة». الكوكب الوهاج (13/ 452).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «وكفانا الطَّوافُ الأوَّلُ بينَ الصَّفا والمروةِ» يعني: القارن منَّا، وأما المتمتع فلا بد له من السعي بين الصفا والمروة في الحج بعد رجوعه من عرفات، وبعد طواف الإفاضة. شرح مسلم (8/ 161).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «وكفانا الطواف الأول» يدل على أنَّ المتمتع يكفيه سعي واحد، والتأويل بأنَّ المراد بقوله: «كفانا» أي: كفى القارن منَّا، أو المفْرِد بعيدٌ جدًّا. حاشيته على مسند أحمد (3/324).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
لفظ جابر في هذه الرواية لا يمكن حمله على القارنين بحال؛ لأنه صرح بأنهم حلوا الحِلَّ كُلَّه، وأتوا النساء، ولبسوا الثياب، ومَسُّوا الطيب، وأنهم أهلُّوا يوم التروية بحج، ومع هذا كله صرَّح بأنهم كفاهم طوافهم الأول بين الصفا والمروة. مرعاة المفاتيح (9/ 69-70).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
هذا (أي: الحديث) من أقوى ما يستدل به شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على أنَّ المتمتع لا يلزمه إلا سعي واحد. شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (9/ 10).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وليس على المفرِد إلا سعي واحد، وكذلك القارن عند جمهور العلماء، وكذلك المتمتع في أصح أقوالهم، وهو أصح الروايتين عند أحمد، وليس عليه إلا سعي واحد، فإن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف.
فإذا اكتفى المتمتع بالسعي الأول أجزأه ذلك، كما يجزئ المفرد والقارن وكذلك قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قيل لأبي: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين -يعني: بالبيت وبين الصفا والمروة- فهو أجود، وإن طاف طوافًا واحدًا فلا بأس، وإن طاف طوافين فهو أعجب إِلَيَّ. مجموع الفتاوى (26/ 138).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة» أي: السعي، فلم يسعوا بينهما مع طواف الزيارة، والمراد بهم: الذين كانوا لم يحلوا بعد العمرة، بل بقوا على إحرامهم؛ لكونهم قارنين، ففي بيان جابر هذا شيء من الإبهام؛ لأن المذكورين فيما فوق (أي: في أول الحديث) هم الذين حلوا بعد العمرة، ولا يكفيهم السعي الأول، والمذكورون هنا: الذين لم يحلوا بعد العمرة، ويكفيهم السعي الأول عن سعي الحج. منة المنعم (2/ 253).
قوله: « فأَمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سَبعة مِنَّا في بَدنة»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» في دم القِرَان «أنْ نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا» مبتدأ خبره محذوف، تقديره: يشترك «في بدنة» واحدة، أو في بقرة، وجملة الابتداء مفسرة لجملة الفعل. الكوكب الوهاج (13/ 452).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كُلُّ سبعةٍ» بدل من ضمير «نشترك» إنْ كان بالنون للمتكلم مع الغير، وفاعله إنْ كان بالياء للغائب. حاشيته على مسند أحمد (3/324).
وقال النووي -رحمه الله-:
البدَنة تُطلق على البعير والبقرة والشاة، لكن غالب استعمالها في البعير، والمراد بها ها هنا: البعير والبقرة، وهكذا قال العلماء: تجزئ البَدنةُ من الإبل والبقر كُل واحدة منهما عن سبعة.شرح صحيح مسلم (8/ 161-162).
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
واختلف الفقهاء في الاشتراك في الهدي والضحايا.
فقال مالك: يجوز للرجل أن يذبح الشاة، أو البقرة، أو البدنة عن نفسه، وعن أهل بيته -وسواء كانوا سبعة، أو أكثر من سبعة- يشركهم فيها، ولا يجوز أن يشتروها بينهم بالشركة فيذبحوها؛ إنما يجزئ إذا تطوّع عنهم، ولا يجزئ عن الأجنبيين.
هذا كله قول مالك.
وقال الليث بن سعد مثله في البقر.
وأجاز مالك الاشتراك في الهدي التطوع على هذا الوجه، ولا يجوز عنده الاشتراك في الهدي الواجب بحال، لا في بدنة، ولا في بقرة.
والحجة له فيما ذهب إليه من ذلك كله: حديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب، وحديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشرك عليًّا في هديه عام حجة الوداع.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في بعض ضحاياه: «هذه عني، وعمن لم يُضحِّ من أمتي».
وهذا كُله تطوّع، ليس باشتراك لازم، على ما قال مالك -رحمه الله-.
وقال الشافعي، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابهم:
يجوز الاشتراك في الهدي التطوع، وفي الواجب، وفي الضحايا: البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
وهو قول أحمد بن حنبل، وأبي ثور، والطبري، وداود بن علي.
ولا يجوز -عند واحدٍ منهم- اشتراك أكثر من سبعة في بَدنة، ولا بَقرة.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاشتراك في الشَّاة لمن لزِمه دمٌ.
وحجتهم: حديث جابر قال: «كُنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنذبح البقرة عن سبعة، والبَدنة عن سبعة». التمهيد(7/504).
وقال المازري -رحمه الله-:
واحتج أصحابنا بأن الواجب على مقتضى ظاهر القرآن هديٌ كامل؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة: 196، والجماعة إذا اشتركوا لم يتقرب كل واحد منهم إلا ببعض هَدْي؛ ولأن المعيب من الهدايا لا يجزئ لنقصه مع كون مهديه أراق دمًا كاملًا، فالْمُريق بعض الدم أحرى أن لا يجزئه.
وأما ما ذكره في نحرهم في الحديبية، فيحمل على أنه هدي تطوّع؛ لأن الْمُحصَر بعدوٍّ إذا حلَّ هل عليه هدي أم لا؟ ففيه قولان، والمشهور: أن لا هدي عليه. المعلم (2/ 101-102).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وعن داود وبعض المالكية يجوز (أي: الاشتراك) في هدي التطوع دون الواجب، وعن مالك لا يجوز مطلقًا، واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان بالحديبية، حيث كانوا محصرين، وأما حديث ابن عباس فخالف أبا جمرة عنه ثقات أصحابه، فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة، ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن ابن عباس، قال: وقد روى ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة، وليث ضعيف، قال: وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال: ما كنتُ أرى أن دمًا واحدًا يقضي عن أكثر من واحد، انتهى، وليس بين رواية أبي جمرة ورواية غيره منافاة؛ لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك، ووافقهم على ذكر الشاة، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر؛ وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا، وأما رواية محمد عن ابن عباس فمنقطعة، ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد، حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك، فأفتى به أبا جمرة، وبهذا تجتمع الأخبار، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه، والاحتجاج بروايته، وهو أبو جمرة الضبعي...
وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية، فلا يدفع الاحتجاج بالحديث، بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال: فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية، وهذا يدل على صحة أصل الاشتراك، واتفق مَن قال: بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة، إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب، فقال: تجزئ عن عشرة، وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية، واحتج لذلك في صحيحه وقوَّاه، واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج أنه -صلى الله عليه وسلم- قسَّم فَعَدَل عَشْرًا من الغنم ببعير، الحديث وهو في الصحيحين، وأجمعوا على أنَّ الشاة لا يصح الاشتراك فيها. فتح الباري (3/ 534-535).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
الحديث يفيد إجزاء البَدَنَة، أي: الإبل عن سبعة، ولا يُعارضه ما رواه الخمسة إلا أبا داود عن ابن عباس قال: «كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فحضر الأضحى، فذبحنا البقرة عن سبعة، والبعير عن عشرة» حيث يفيد إجزاء الإبل عن عشرة؛ وذلك لأن حديث ابن عباس هذا في الأضحية، وحديث جابر الذي نحن في شرحه هو في الهدي. منة المنعم (2/ 317).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: دلالة لإجزاء كل واحدة منهما عن سبعة أنفس، وقيامها مقام سبع شياه.
وفيه: دلالة لجواز الاشتراك في الهدي والأضحية، وبه قال الشافعي وموافقوه، فيجوز عند الشافعي اشتراك السبعة في بَدَنَةٍ، سواء كانوا متفرقين، أو مجتمعين، وسواء كانوا مفترضين، أو متطوعين، وسواء كانوا متقربين كُلهم، أو كان بعضهم متقربًا، وبعضهم يريد اللحم، روي هذا عن ابن عمر وأنس، وبه قال أحمد، وقال مالك: يجوز إن كانوا متطوعين، ولا يجوز إن كانوا مفترضين، وقال أبو حنيفة: إن كانوا متقربين جاز، سواء اتفقت قربتهم، أو اختلفت، وإن كان بعضهم متقربًا، وبعضهم يريد اللحم لم يصح للاشتراك. شرح صحيح مسلم (8/ 161-162).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ما ذهب إليه الأولون من جواز الاشتراك مطلقًا هو الأرجح عندي؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- حينما أمرهم بالاشتراك لم يفصّل، ولو كان هذا التفصيل لازمًا لما أهمله، فتأمل -والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (22/ 605).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه صحة حج الصبي، والحج به، ومذهب مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: أنه يصح حج الصبي، ويثاب عليه، ويترتب عليه أحكام حج البالغ، إلا أنه لا يجزئه عن فرض الإسلام، فإذا بلغ بعد ذلك واستطاع لزمه فرض الإسلام.
وخالف أبو حنيفة الجمهور، فقال: لا يصح له إحرام، ولا حج، ولا ثواب فيه، ولا يترتب عليه شيء من أحكام الحج، قال: وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم، ويتجنب محظوراته للتعلم، قال: وكذلك لا تصح صلاته، وإنما يؤمر بها؛ لما ذكرناه، وكذلك عنده سائر العبادات.
والصواب: مذهب الجمهور؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّ امرأة رفعت صبيًّا، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر» والله أعلم. شرح مسلم (8/ 160-161).