«قِيل لابنِ عبَّاسٍ: ماتَتْ فُلانةُ -بعضُ أزواجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فخرَّ ساجِدًا، فقِيلَ له: أَتَسجُدُ هذه الساعةِ؟ فقال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: إذا رَأَيتُم آيةً فاسجُدُوا، وأيُّ آيَةٍ أَعظمُ مِن ذهاب أَزواجِ النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!».
رواه أبو داود برقم: (1197)، والترمذي برقم: (3891)، والبيهقي في الكبرى برقم: (6379)، والبغوي في شرح السنة برقم: (1156)، من حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (564)، صحيح سنن أبي داود برقم: (1081).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «قيل لابنِ عباسٍ: ماتتْ فلانةُ -بعضُ أزواجِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-»:
قال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
فلانٌ وفلانةُ يُكنَّى بهما عن العَلَم الذي مُسمَّاه ممَن يَعْقِل، فلا تدخل (أل) عليهما، وفلانةُ ممنوعة من الصرف (يعني: لا تنون)؛ فيقال: جاء فلانٌ، ولكن جاءت فلانةُ، ويُكنَّى بهما أيضًا عن العَلَم لغير العاقل، فتدخل عليهما (أل) تقول: ركبتُ الفلان، وحلبتُ الفلانة. تحفة الأحوذي (9/ 98).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قيل لابن عبّاس: ماتت فُلانةُ» أي: صفيّةُ، وقيل: حفصةُ. مرقاة المفاتيح (3/ 1100).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
أخرجه أبو داود والترمذي ولم يُسمِّياها، وذكر رزين رواية وسمَّاها (سودة)، وقال في آخرها: «وأيُّ آيةٍ أعظم من ذهاب أم المؤمنين؟». جامع الأصول (9/ 145).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ماتتْ فلانةُ» فلانة: هي صفيّة زوجة النَّبي -عليه السلام-، «بعض أزواجِ النَّبي -عليه السلام-»، أي: إحدى زوجات النَّبي -عليه السلام-. المفاتيح (2/ 366).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «ماتت فلانة بعض أزواجِ النَّبي -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم-»، هي صفية بنت حُيَيّ، كما في رواية البيهقي. المنهل العذب المورود (7/ 47).
وقال المناوي -رحمه الله-:
هي صفية كما أفصح به المظهر (المظهري). فيض القدير (1/ 360).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«بعضُ أزواجِ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-» الظاهر: أنَّ الراوي نسي اسمها، فكنَّى عنها بلفظ فلانة، ثم بيَّن أنَّ المراد بقوله: فلانة «بعضُ أزواجِ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-». مرعاة المفاتيح (5/ 158).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«بعضُ» يجوز فيه الرفع والنصب، فالرفع على تقدير: وتلك بعض، وما أشبه ذلك، والنصب على تقدير: يَعْنُون بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو أمثل. الميسر (1/ 354).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«بعضُ أزواجِ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-» بالرَّفع بدل أو بيان، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، والنصب بتقدير: يَعْنُونَ. مرقاة المفاتيح (3/ 1100).
قوله: «فخرَّ ساجدًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فخَرَّ» أي: سقط ووقع «ساجِدًا» آتيًا بالسّجود أو مصليًّا. مرقاة المفاتيح (3/ 1100).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «فخَرَّ ساجِدًا» يعني: كسجود التلاوة. المنهل العذب المورود (7/ 47).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فخَرَّ ساجِدًا» إما أنْ يُحمل على ظاهره، أو على الصلاة، كما أوَّل بعض العلماء في سجدة الشكر. لمعات التنقيح (3/ 604).
قوله: «فقيل له: أتسجدُ هذه الساعة؟»:
قال الأردبيلي -رحمه الله-:
القائل لابن عباس: «أتسجدُ في هذه الساعة؟» هو عكرمة الراوي عن ابن عباس، ذكره الشيخ (البغوي) وغيره. الأزهار، مخطوط، لوح (188).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في هذه الساعة؟» أي: ساعة الإماتة، مع أنَّ السُّجود من غير موجب ممنوعٌ. مرقاة المفاتيح (3/ 1100).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فقيل له: أتسجد هذِه الساعَة؟» يعني: بعد الصُّبح قبل طلوع الشمس. شرح سنن أبي داود (6/ 111).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟» وكان السجود قبل طلوع الشمس،
فقد روى البيهقي عن عكرمة قال: سمعنا صوتًا بالمدينة، فقال لي ابن عبّاس: يا عكرمة، انظر ما هذا الصوت؟ فذهبتُ فوجدتُ صفية بنت حيي امرأة النَّبي -صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلَّم- قد تُوفِّيت، فجئتُ إلى ابن عبّاس فوجدتُه ساجِدًا ولما تطلع الشمس، فقلتُ له: سبحان الله! تسجد ولم تطلع الشمس بعد؟. المنهل العذب المورود (7/ 47).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «تسجد في هذه الساعة؟» أي: من غير موجب للسجود، والسجود من غير موجب له ممنوع عندنا (الشافعية). فتح الإله (5/370).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
ويجوز أنْ يكون وقت كراهةٍ، فقاسُوا عليها كراهة السَّجدة، وظاهر قوله: «في هذه السَّاعَة؟» يؤيِّد هذا المعنى، ولكن الجواب ناظرٌ إلى المعنى الأول -واللَّه أعلم-. لمعات التنقيح (3/ 604).
قوله: «فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا رأيتم آية فاسجُدُوا»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «إذا رأيتم آية» أي: علامةً يخوِّف الله بها عباده، كالخسوف والكسوف.
قوله: «فاسجُدُوا» أراد بـالسجود: الصلاة، إنْ كانت الآية خسوف الشمس والقمر، وإنْ كانت الآية غيرها، كمجيء الريح الشديدة والزَّلزلة وغيرهما يكون معنى «فاسجُدُوا» هو السجود بغير صلاة.
وقيل: لا يجوز السجود في غير الصلاة، إلا سُجود تلاوة القرآن، وسجود الشكر. المفاتيح (2/ 366).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فقال: قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم-: إذا رأيتم آية» أي: علامة مُخَوِّفَة؛ «فاسجُدُوا» أي: فصَلُّوا ما قدَّر الله، وقيل: أراد به: السجود فحسب. شرح المصابيح (2/ 281).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إذا رأيتم آية فاسجُدُوا» هذا مطلق، فإنْ أريد بالآية خسوف الشمس والقمر، فالمراد بالسجود: الصلاة، وإنْ كان غيرها كمجيء الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما، فالسجود هو المتعارف، ويجوز الحمل على الصّلاة أيضًا؛ لما ورد «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة». الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1315).
وقال المناوي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وما جرى عليه (الطيبي) من مشروعية السجود، قد يُقال: إنَّ هذا الحكم في اندفاع النقمة للذي يُسَنُّ السجود له، فإنَّ موت مَن يَدْفَعُ اللهُ عنا بوجوده النقمة نقمة. فيض القدير (1/ 360).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «إذا رأيتم آية» أي: علامة، وهي بإطلاقها سائر الآيات المخوفة، مثل الريح الشديدة، والظلمة الشديدة والزلزلة والسيل العظيم، والنار العظيمة، ونحو ذلك، ويندرجُ تحت فعل ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: جواز السجدة عند موت عالم كبير مُقتدَى، أو سُلطان عادل؛ لأن موت مثل هؤلاء من الآيات. شرح سنن أبي داود (5/ 53).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا رأيتم آية» علامة تبدو بنزول بلاء ومحنة وانقشاع سُحُب الرحمة، ومنه: انقراض الأنبياء وأزواجهم الآخذات عنهم؛ إذ هنَّ ذوات البركة الناقلات لنا عنهم بواطن الشريعة، ما لا يظهر عليه الرجال، فبحياتهم يندفع العذاب عن الناس.
«فاسجُدُوا» لله التجاء إليه، ولِياذًا به في دفع ما عساه يحصل من العذاب عند انقطاع بركتهن، فالسجود لدفع الخلل الحاصل...، ومنه (أي: هذا الحديث) أُخِذَ السجود للآيات. فيض القدير (1/ 359).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «إذا رأيتم آية، فاسجُدُوا» أي: إذا رأيتم علامةً مخوّفة من عذاب الله فاسجُدُوا، أي: صلُّوا.
ففيه: إطلاق الجزء على الكل، ويحتمل أنَّ المراد: السجود فقط، كما فعل ابن عبّاس، وهو الأقرب. المنهل العذب المورود (7/ 47).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فقوله: «إذا رأيتم آية فاسجُدُوا» معناه: صلُّوا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة»، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} البقرة:153.
فالصلاة عند المصائب فيها تسليةٌ، وفيها تهوينٌ وتخفيفٌ لوطأة الشيء، والرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال»، «وكان إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصّلاة»؛ فهو من هذا القَبيل، فقوله: «إذا رأيتم آية فاسجُدُوا» يظهر أنه صلاة، ومنهم مَن قال: إنه سجود فقط، والذي فعله ابن عبّاس يدل عليه.
فقد يكون المقصود منه: السُّجود فقط، وقد يكون المقصود منه: الصَّلاة التي منها السجود -والله تعالى أعلم-. شرح سنن أبي داود (148/ 28.
قوله: «وأيُّ آيةٍ أعظمُ من ذهابِ أزواجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وأيُّ آية أعظم من ذهاب أزواج النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-؟!» زاد الطبراني في الرواية المذكورة: «أية آية أعظم من أمهات المؤمنين يخرجن من بين أظهرنا ونحن أحياء؟!». شرح سنن أبي داود (6/ 112).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
لفظ البيهقي في الرواية التي ذكرنا أولها: «فقال -أي: ابن عبّاس-: لا أمّ لك، أليس قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: إذا رأيتم آية فاسجُدُوا؟ فأي آية أعظم من أن يخرجن أمهات المؤمنين من بين أظهرنا ونحن أحياء؟» مرعاة المفاتيح (5/ 159).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
لأنَّ بذهابهن يذهب ما تفرَّدن به من العلوم بأحواله -صلى الله عليه وسلم- الباطنة الذي يضطر الناس إلى معرفتها منهن، ففي موتهن ذهاب تلك العلوم التي ليست عند غيرهن. فتح الإله (5/370).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
الآية التي أُمِرَ بالسجود عند ظهورها: العلامات المنذرة بنزول البلايا والمحن التي يُخوِّف الله بها عباده، ووفاة أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك؛ لأنها كانت أَمَنَة للناس؛ لقوله -عليه السلام-: «وأنا أَمَنَة لأصحابي، فإذا ذهبت أصحابي أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأهل الأرض»، وأزواج النبي -صلوات الله عليهم- ضَمَمْنَ شرف الزوجية إلى شرف الصحبة، فهنَّ أحق بهذا المعنى من غيرهن، وزوال الأَمَنَةِ يُوجِب الخوف. تحفة الأبرار (1/ 403-404).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وما ذكرته المقتضي لتخصيصهنَّ بذلك أولى من هذا؛ لاقتضائه السجود لموت كل صحابي، ولم يُحفَظ ذلك عن أحدٍ. فتح الإله (5/370).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
أما قول ابن عبّاس: «وأيُّ آية أعظم من ذهاب أزواج النبي؟» فإنه جعل ذلك من جملة الآيات؛ لما فيها من التَّخويف، ولما رآها في التخويف أبلغ الآيات المعهودة، قال: «وأيُّ آية أعظم من ذهاب أزواج النَّبي؟» كأنه ذهب في ذلك إلى المفهوم من قوله: «وأنا أمَنَة لأصحابي؛ فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمَنَة لأهل الأرض» الحديث.
فرأى بقاء الأَمَنَة على أصحاب النَّبي ببقاء أهله؛ لأن أهل الرجل يُعَدُّ من جملته، أو رأى بقاء الأَمَنَة على أهل الأرض ببقاء أزواجه؛ لأنهنّ ضَمَمْنَ مع فضل الصحبة شرف الزوجية؛ فكُنَّ بهذا المعنى أولى من غيرهن، فكان وفاتهن سالبة للأمَنَة، موجِبة للتَّخويف، فعدَّها من الآيات؛ لأنها في معنى التخويف من أعظم الآيات. الميسر (1/ 355).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وأيُّ آيةٍ أعظم من ذهاب أزواج النَّبي -عليه السلام-؟» يخاف عقيبه نزول العذاب؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الأنفال: 33، فما دام النبي -عليه السلام- حيًّا يندفع العذاب عن الناس ببركته، وزوجاته أيضًا ذوات البركة؛ لأن أهل الرجل منه؛ فيندفع العذاب عن الناس أيضًا ببركتهنَّ، ويُخاف نزول العذاب بذهابهنَّ، فيتوجَّه الالتجاء إلى ذكر الله تعالى، والسجود عند انقطاع بركتهن؛ ليندفع العذاب ببركة الذَّكْرِ والسُّجود والخيرات. المفاتيح (2/ 366-367).
وقال الصالحي -رحمه الله-:
«وأيُّ آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟» لفوات بركتهن؛ لأنهُنَّ كما قال الله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الأحزاب: 32، وقد اتَّقَيْنَ الله تعالى. سبل الهدى والرشاد (11/ 447).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وأيُّ آية أعظم من ذهاب أزواج النَّبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-؟» لأن لهن فضل الصُّحبة، مع فضل خاص ثابت للزوجية، ليس لأحد من الأصحاب ذلك، وأيضًا بذهابهن يذهب ما تفردْنَ من العلم بأحواله -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-. لمعات التنقيح (3/ 604).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هذا يُبيِّن أن فَقْد أصحاب الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولا سِيَّما زوجاته -رضي الله عنهن وأرضاهن- فَقدٌ لمن فيه الخير، ووجودهم كان أَمَنَة لهذه الأمة، وإذا حصل بعد ذلك ذهابهم حصلت الفتن والشرور، وحصلت الأمور التي ليس لها حدٌّ؛ ولهذا قال الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «فإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ». شرح سنن أبي داود (148/ 28).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
ولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة ولا ظلمة ولا لصواعق ولا ريح، ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة (في خسوف الشمس والقمر) منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات. الأم (1/ 281).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
لو أراد الإنسان الدُّعاء فعفَّر وجهه لله في التراب، وسجد له ليدعوه، فهذا سجود لأجل الدُّعاء، ولا شيء يمنعه، وابن عباس سجد سجودًا مجرَّدًا لما جاء نَعْيُ بعض أزواجِ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيتم آية، فاسجُدُوا»، وهذا يدل على أنَّ السجود يُشْرَع عند الآيات، فالمكروه هو السجود بلا سبب. الفتاوى الكبرى (5/ 340).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: دلالة على استحباب الصلاة للزلزلة والريح العاصفة، وشبههما.
وعلى جواز ذلك في الأوقات المكروهة، وقال في المقنع (لابن المحاملي الشافعي): ولكن الصلاة للزلزلة وشبهها تكون على هيئة الفعل المطلق، لا على هيئة الخسوفين. الأزهار، مخطوط، لوح (188).
وقال ابن المحاملي الشافعي -رحمه الله-:
ولا يصلي لآية -سوى الخسوف- من الزلازل والريح الشديدة والظلمة وغير ذلك، اللهم إلا أنْ يختاروا أنْ يصلوا لئلا يكونوا على غفلة، فلا يكون به بأس، ولكنه يصلي كسائر الصلوات، لا مثل صلاة الخسوف -والله أعلم-. المقنع (ص: 235).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا رأيتم آية فاسجُدُوا» فيه السجود عند موت أكابر العلماء، وموت أكابر أزواجهم الآخذات عنهم. شرح سنن أبي داود (6/ 111).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
فيه: السجود عند موت أزواج العلماء الآخذات عنهم، فعند موت العلماء من باب أولى. السراج المنير (1/ 124).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
هذا اجتهاد من ابن عباس، وقضية مذهبنا: أنَّ مثل ذلك من موت عالم أو عظيم، لا يقتضي سجود، بل لا يجوز السجود لأجله. فتح الإله (5/370).