الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«‌مَن ‌كان ‌له ‌سَعَةٌ ‌ولم ‌يُضَحِّ ‌فلا ‌يَقْرَبَنَّ ‌مُصَلَّانَا».


رواه أحمد برقم: (8273)، وابن ماجه برقم: (3123) واللفظ له، والحاكم برقم: (7566)، والدارقطني برقم: (4762)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6490)، تخريج مشكلة الفقر برقم: (102).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سَعَةٌ»:
بفتحتين، أي: غنى ويَسَار. البناية شرح الهداية، للعيني (12/ 7).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
وسَعَ: الواو والسِّينُ والعينُ: كلمةٌ تدُلُّ على خلافِ الضِّيقِ والعُسْرِ، يقال: وسُعَ الشَّيءُ واتَّسع، والوُسْعُ: الغِنى، والله الواسع أَي: الغنِيُّ. مقاييس اللغة، لابن فارس (6/ 109).


شرح الحديث


قوله: «‌مَنْ ‌كانَ ‌له ‌سَعَةٌ ‌ولم ‌يُضَحِّ ‌فلا ‌يَقْرَبَنَّ ‌مُصلَّانَا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«من ‌كان له ‌سعة» لم يبيِّن مقدارها، وكأن المراد بها: ما يتم بها شراء الأضحية، وقالت الحنفية: من يملك نصابًا «ولم ‌يضح فلا يقربنَّ مُصلانا» صلاة العيد؛ لأنه مُخِلٌّ بالسُّنة، فليس بأهلٍ أن يَحْضُر مُصلاهم في عيدهم؛ عقوبةً لِبُخْلِهِ، فيفوته حضورُ دعائهم، وإفاضةُ الله بجوائز إحسانه عليهم، وقد أخذ جماعةٌ كالليث بن سعد وغيره من هذا الحديث: وجوب الضحية. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 371).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والجواب (على القائلين بوجوب الأضحية): أما الحديث الأول («‌مَن ‌كانَ ‌له ‌سَعَةٌ ‌ولم ‌يُضَحِّ ‌فلا ‌يَقْرَبَنَّ ‌مُصَلَّانَا») فقال أحمد: هو حديث مُنكر، ثمَّ إنَّه لا يدل على الوجوب، كما قال: «مَن أكل الثوم فلا يقرب مصلانا». التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 161).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختُلف في وقفه ورفعه، والذي رفعه ثقة. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 213).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
وأقرب ما يتمسك به للوجوب (الأضحية) حديث أبي هريرة رفعه: «من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلانا» أخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات، لكن اختُلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحًا في الإيجاب. فتح الباري (10/ 3).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وأما قول ابن حجر: إنه موقوف على أبي هريرة، فمرفوع؛ لأن مثل هذا الموقوف في حكم المرفوع. مرقاة المفاتيح (3/ 1077).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«من ‌كان له ‌سعة» في المآل والحال، قيل: هي أن يكون له نصاب الزكاة «ولم ‌يضح فلا يقربن مصلانا» أي: مصلى العيد، ليس المراد أن صحة صلاة العيد تتوقف على الأضحية، بل هي عقوبة له بطرده عن مجالس الأخيار، وهذا يفيد وجوب الأضحية على كل غني. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (18/ 312).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
«من وجد سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا» يقول: مَن تركَ السُّنة في الضحية مع السعة؛ رغبة عنها، فما له لا يرغب عن الصلاة معنا ونحو هذا؟ ومن ذلك قول الشاعر:
إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء. الاستذكار (2/ 289).
وقال المنبجي الحنفي -رحمه الله-:
فإن قيل: قال أحمد بن حَنْبَل -رحمه الله-:
هذا حدِيث مُنكر، وقال الدَّارقطنيّ: قد رُوي موقوفًا، والموقوف أصح.
قيل: كَونه مُنْكرًا يحتَاج إلى دليل، وكونه مَوْقُوفًا لَا يمْنَع صِحة الاحتجاج به؛ لأن مثل هذا لا يقوله عَن رَأْي، ثمَّ قد أخرج فِي الصَّحِيح عَن الْبَراء قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي ثمَّ نرجِع فننحر، مَن فَعَلَ ذلك فقد أصَاب سُنَّتنا، وَمن ذبح قبل ذلك فإِنَّمَا هو لحم قدَّمه لأَهله...». اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 631).
وقال المجددي -رحمه الله-:
«من وجد سَعَة وَلم يضح فلا يقربن مُصلانا» وتأويل حديث الباب أنه -صلى الله عليه وسلم- أراد اشتراك الثواب تفضُّلًا منه على أمَّته. إنجاح الحاجة، مخطوط لوح (581).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفي رواية الخطيب: «لا يحضر مصلانا» وأخذ بظاهره جمع منهم الليث، فأوجبوها على الموسر، وأوجبها أبو حنيفة على من يملك نصابًا، وجعلها الشافعية وأكثر المالكية سُنة كفاية، لكنها متأكِّدة؛ خروجًا من الخلاف. فيض القدير (6/ 208).
وقال محمد السندي -رحمه الله-:
قوله: «سَعة» أي: في المآل والحال، قيل: هي أن يكون صاحب نصاب الزكاة.
«فلا يقربن مصلانا» ليس المراد أن صحة الصلاة تتوقف على الأضحية، بل هو عقوبة له بالطرد عن مجالس الأخيار، وهذا يفيد الوجوب والله تعالى أعلم. كفاية الحاجة (2/ 271).
وقال السندي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «من وجد سَعة» قيل: نصاب الزكاة، وقيل: بل القدرة على الأضحية بعد قوت ذلك اليوم.
«فلا يقربن» مِن قرب بالكسر (الفتح)، وظاهره: الوجوب، ومن يقول بالاستنان يحمله على تأكد الاستنان، والتشديد في الأمر، والله تعالى أعلم. حاشيته على مسند أحمد (2/593).
وقال المغربي -رحمه الله-:
«فلا يقربن مُصلانا» دلالة على الوجوب؛ لأنه لما نهى من ‌كان ذا ‌سعة عن قربان المصلى إذا لم ‌يضحِّ دلَّ على أنه قد ترك واجبًا، فكأنه قال: لا فائدة في التقرب بالصلاة مع ترك هذا الواجب؛ ولقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر: 2، فأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال: الصلاة المكتوبة، والنحر يوم الأضحى. البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 391).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ليس في اللفظ تصريح (بإيجابها) لو ‌كان مرفوعًا، فكيف والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة! وقد عارضه حديث أم سلمة عن النبي -عليه السلام- أنه قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يُضحي فلا يأخذ مِن شَعْرِه، ولا مِن أظفاره» ولا شيء يقال في الواجب: من أراد فعله. الاستذكار (5/ 229).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال ‌جمهورهم: ‌هي ‌سُنَّة ‌في ‌حقِّه، إنْ تَرَكَها بلا عذر لم يأثم، ولم يلزمه القضاء، وممن قال بهذا: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب، وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني، وابن المنذر وداود، وغيرهم.
وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث: هي واجبة على الموسر، وبه قال بعض المالكية، وقال النخعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يُوجِبها على مُقيم يملك نصابًا، والله أعلم. شرح مسلم (13/ 110).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة، روي ذلك عن أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري -رضي الله عنهم-، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيِّب وعلقمة والأسود وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال ربيعة ومالك والثوري والأوزاعي والليث وأبو حنيفة: هي واجبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا». المغني (13/ 360).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الحق ما قاله الأقلُّون من كونها واجبة، ولكن هذا الوجوب مقيد بالسَّعة، فمن لا سَعة له لا أضحية عليه. السيل الجرار (ص: 715).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
وأجمع العلماء على مشروعيتها، واختلفوا في وجوبها:
فذهب أبو حنيفة: إلى وجوبها، ويروى ذلك عن مالك، وذهب جمهور العلماء -ومنهم الشَّافعي وأحمد- إلى أنَّها سنَّةٌ مؤكدة على كلِّ قادرٍ عليها من المسلمين، والمشهور عن مالك: أنَّها لا تجب على الحُجَّاج اكتفاء بالهدي، واختاره شيخ الإِسلام.
وأفضل الأضحية إنْ ضحَّى كاملًا: إبل، ثُمَّ بقر، ثمَّ غنم. توضيح الأحكام (7/ 71).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
حدثنا أحمد بن منيع قال...، عن جبلة بن سحيم، أن رجلًا سأل ابن عمر، عن الأضحية أواجبة هي؟ فقال: «ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون» فأعادها عليه، فقال: أتعقل؟ «ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون» هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم: أنَّ الأضحية ليست بواجبة، ولكنها سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُستحب أن يعمل بها، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك. سنن الترمذي (4/ 92).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وكأنَّه فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب: نعم، أنه لا يقول بالوجوب، فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك، وكأنه أشار بقوله: «والمسلمون» إلى أنها ليست من الخصائص، وكان ابن عمر حريصًا على اتباع أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلذلك لم يصرح بعدم الوجوب، وقد احتج من قال بالوجوب بما ورد في حديث مِخْنَف بن سُلَيم رفعه: «على أهل كل بيت أضحية» أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، ولا حجة فيه؛ لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق، وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية، واستدل من قال بعدم الوجوب: بحديث ابن عباس: «كُتِبَ عليَّ النحر، ولم يُكتب عليكم» وهو حديث ضعيف أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والدارقطني وصححه الحاكم، فذهل، وقد استوعبت طرقه ورجاله في الخصائص من تخريج أحاديث الرافعي. فتح الباري (10/ 3-4).
وقال المرغيناني الحنفي -رحمه الله-:
ووجه الوجوب: قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من وجد سعة ولم يضح فلا يَقربن مُصلانا» ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب؛ ولأنها قُربة يضاف إليها وقتها، يقال: يوم الأضحى؛ وذلك يؤذِن بالوجوب؛ لأن الإضافة للاختصاص وهو بالوجود، والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهرًا بالنظر إلى الجنس. الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 355).
وقال العيني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قوله: «ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب»؛ لأنه نهيه -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم- من لم يضح عن سَعة عن قربان مصلاه يدل على أنه فعل أمرًا عظيمًا، وهو ترك التضحية، فدل على أنها واجبة، وفيه نظر على ما ذكرنا.
فإن قلتَ: أليس أن النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- قال: «من ترك سُنتي لم يَنَل شفاعتي»؟
قلتُ: ذلك محمول على الترك اعتقادًا، والترك أصلًا حرام؛ لهذا تجب المقابلة مع جماعة تركوا الأذان وإن كان الأذان سنة؛ لأن إحياء السنة واجب. البناية شرح الهداية (12/ 8).
وقال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-:
قوله: ووجه الوجوب: قوله -عليه السلام-: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة وقال: الصواب موقوف، ولو استدل على الوجوب بقوله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر: «من كان ذبح قبل الصلاة فلْيُعِدْ» وبأنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك مقرون بالصلاة في الأمر في قوله تعالى: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام: 162، وقد قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر: 2، وقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} الحج: 36، الآيات لكان أظهر. التنبيه على مشكلات الهداية (5/ 761-762).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وعن ابن عمر قال: «أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي» أي: كل سنة، فمُواظبته دليل الوجوب. مرقاة المفاتيح (3/ 1088).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: مجرد مواظبته -صلى الله عليه وسلم- على فعل ليس دليل الوجوب، كما لا يخفى. تحفة الأحوذي (5/ 80).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وأما الأضحية فالأظهر وجوبها أيضًا، فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار والنسك مقرون بالصلاة في قوله: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام: 162، وقد قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر: 2، فأمر بالنحر كما أمر بالصلاة. مجموع الفتاوى (23/ 162).
وقال ابن حزم رحمه الله-:
الأضحية سنة حسنة، وليست فرضًا، ومَن تركها غير راغب عنها فلا حرج عليه في ذلك...، واحتجوا (أي: القائلين بالوجوب) بأشياء منها ...، من طريق ابن أخي ابن وهب عن عمه... عن ابن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من وجد سعة فليضح»... وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من وجد سعة فلم يضح فلا يقرب مصلانا» وكل هذا ليس بشيء. المحلى بالآثار (6/3- 7).

وينظر الرواية الأخرى في معرفة حكم الأضحية(هنا)


ابلاغ عن خطا