الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن صومِ ستةِ أيامٍ من السَّنة، ثلاثةِ أيام من التشريق، ويومِ الفطر، ويومِ الأضحى، ويومِ الجمعة، ‌مختصَّةً ‌من ‌الأيام».


رواه أبو داود الطيالسي برقم: (2219)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6961)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2398).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن صومِ ستةِ أيامٍ من السَّنة، ثلاثة أيام من التشريق»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«نهى عن ‌صوم ‌ستةِ ‌أيام من السَّنة، ثلاثة أيام التشريق» فيحرم صوم التشريق بالعيدين، ولا ينعقد. فيض القدير (6/ 332).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«نهى عن ‌صوم ‌ستة ‌أيام من السنة: ثلاثةِ أيام التشريق»؛ لأنها أعياد أهل الإسلام. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 584).
وقال النووي -رحمه الله-:
في صوم أيام التشريق قولان مشهوران ذكرهما المصنف (الشيرازي) بدليلهما:
أحدهما -وهو الجديد-: لا يصح صومها لا لمتمتع ولا غيره، هذا هو الأصح عند الأصحاب.
والثاني: وهو القديم، يجوز للمتمتِّع العادِم الهدي صومها عن الأيام الثلاثة الواجبة في الحج، فعلى هذا هل يجوز لغير المتمتع أن يصومها؟ فيه وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين، وذكرهما جماعات من العراقيين، منهم القاضي أبو الطيب (الطبري) في المجرد، والبندنيجي والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد، وآخرون منهم، أصحهما: عند جميع الأصحاب لا يجوز، وبه قطع المصنف، وكثيرون أو الأكثرون؛ لعموم الأحاديث في منع صومها، وإنما رخص للمتمتع.
والثاني: يجوز، قال المحاملي في كتابيه، وصاحب العدة: هذا القائل بالجواز هو أبو إسحاق المروزي، قال أصحابنا الذين حكوا هذا الوجه: إنما يجوز في هذه الأيام صوم له سبب مِن قضاءٍ أو نذر أو كفارة أو تطوعٍ له سبب، فأما تطوع لا سبب له فلا يجوز فيها بلا خلاف، كذا نقل اتفاق الأصحاب عليه القاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي، وصاحب العدَّة، وآخرون، وأكثر القائلين قالوا: هو نظير الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فإنه يصلي فيها ما لها سبب دون ما لا سبب لها، قال السرخسي: مبنى الخلاف على أن إباحتها للمتمتع للحاجة أو لكونه سببًا، وفيه خلاف لأصحابنا، مَن علَّل بالحاجة خصَّه بالتمتع، فلم يجوِّزها لغيره، ومن علَّل بالسبب جوَّز صومها عن كل صوم له سبب دون ما لا سبب له، قال السرخسي: وعلى هذا الوجه لو نذر صومها بعينها فهو كنذر صوم يوم الشك، وسبق بيانه، هذا هو المشهور في المذهب: أن الوجه القائل بجواز الصوم في أيام التشريق لغير المتمتع مختص بصوم له سبب، ولا يصح فيها ما لا سبب له بالاتفاق، وقال إمام الحرمين: اختلف أصحابنا في التفريع على القديم، فقال بعضهم: لا تُقبل هذه غير صوم التمتع؛ لضرورة تختص به، وقال آخرون: إنها كيوم الشك، ثم ذكر متصلًا به في يوم الشك أنه إن صامه بلا سبب فهو منهي عنه، وفي صحته وجهان قد سبق بيان ذلك، واعلم أن الأصح عند الأصحاب هو القول الجديد: أنها لا يصح فيها صوم أصلًا لا للمتمتع ولا لغيره، والأرجح في الدليل صحتها للمتمتع، وجوازها له؛ لأن الحديث في الترخيص له صحيح، كما بيَّناه، وهو صريح في ذلك، فلا عدول عنه، وأما قول صاحب الشامل (ابن الصباغ) في كتاب الحج: إنه حديث ضعيف فباطل مردود؛ لأنه رواه من جهة ضعيفة، وضعَّفه بذلك السبب، والحديث صحيح ثابت في صحيح البخاري، بإسناده المتصل من غير الطريق الذي ذكره صاحب الشامل، وإنما ذَكَرت كلام صاحب الشامل لئلا يُغتر به. المجموع (6/ 443-445).

قوله: «ويوم الفطر، ويوم الأضحى»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ويوم الفطر» لذلك «ويوم الأضحى» عاشر ذي الحجة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 584).
وقال النووي -رحمه الله-:
أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة، أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمدًا لعينِهما قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره، ولا يلزمه قضاؤهما، وقال أبو حنيفة: ينعقد ويلزمه قضاؤهما، قال: فإنْ صامهما أجزأه، وخالف الناس كلهم في ذلك. شرح مسلم (8/ 15).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الحكمة التي لأجلها حُرِّم صوم هذين اليومين:
أما يوم الفطر: فيتحقق به انقضاء زمان مشروعية الصوم.
ويوم النحر: فيه دعوة الله التي دعا عباده إليها من تضييفه وإكرامه لأهل منى وغيرهم بما شرع لهم مِن ذَبْحِ النُّسك، والأكل منها، فمن يصوم هذا اليوم فإنه ردَّ على الله كرامته، وإلى هذا أشار أبو حنيفة، والجمهور على أنه شَرْعٌ غير معلَّل. المفهم (3/ 198).

قوله: «ويوم الجمعة، ‌مختصة ‌من ‌الأيام»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ويوم الجمعة مختصَّة من الأيام» أي: حال كون يوم الجمعة مفردًا عن غيره، والنهي في الجمعة للتنزيه، وفيها قبله للتحريم. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 474).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ويوم الجمعة» لأنه من الأعياد، فإنه عيد الأسبوع، وتلك أعياد السَّنة، وقد قيُّدت الجمعة بأن النهي عن إفرادها، وكذلك بأن لا تكون واجبة الصوم كفي رمضان، «مختصَّة من» بين «الأيام» أي: هذه السَّنة يختص بالنهي عن صومها. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 584).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
ويُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم. فيض القدير (6/ 332).
وقال النووي -رحمه الله-:
جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم أنه يُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أنْ يُوافق عادة له، فإنْ وَصَلَه بيوم قبله أو بعده، أو وافق عادةً له بأنْ نَذَرَ أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدًا، فوافق يوم الجمعة لم يُكره. شرح مسلم (8/ 19).
وقال مالك -رحمه الله-:
لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه. الموطأ (1/ 310).
وقال النووي -رحمه الله- معلِّقًا:
وأما قول مالك في الموطأ: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن به يُقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه. فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسُّنة مقدمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعين القول به، ومالك معذور؛ فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث (وهو حديث «ولا تخصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»)، ولو بَلَغَهُ لم يخالفه. شرح مسلم (8/ 19).
وقال الباجي -رحمه الله- معلقًا:
وجه ما قاله مالك: أنَّ هذا يوم من الأسبوع، فجاز إفراده بالصوم كغيره من الأيام، وأما الشافعي فتعلَّق في ذلك بما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يصُمْ أحدكم يوم الجمعة إلا أنْ يصوم قبله بيوم أو بعده بيوم» والحديث صحيح، والتعلق واجب؛ ولعله معنى رواية ابن القاسم عن مالك. المنتقى شرح الموطأ (2/ 76).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قيل: علة النهي (في النهي عن صوم الجمعة) إنما كان ‌ترك ‌موافقة ‌اليهود السبت في يوم واحد من بين أيام الأسبوع؛ يعني: عظَّمَت اليهود السبت فلا تُعَظِّموا أنتم الجمعة خاصة بصيام وقيام، بل عظِّموا جميع الأيام. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 43).
وقال الطيبي -رحمه الله- معقبًا:
وأقول: لو كانت العلة مخالفة اليهود لكان الصوم أَولى؛ لأنهم يستريحون فيه ويتنعَّمون بالأكل والشرب، ومصداقه حديث أم سلمة في الفصل الثالث من هذا الباب، ولكن العلة ورود النص، وتخصيص كل يوم بعبادة ليس ليوم آخر، فإن الله تعالى قد استأثر الجمعة بفضائل لم يستأثر بها غيرها، فجعل الاجتماع فيه للصلاة فرضًا على العباد في البلاد، فلم يرَ أن يخصه بشيء من الأعمال سوى ما خصه به، ثم خص بعض الأيام بعمل دون ما خص به غيره؛ ليختص كل منها بنوع من العمل؛ ليظهر فضيلة كل بما يختص به. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1611).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: والحكمة في النهي عنه: أنَّ يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} الجمعة: 10، وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستُحب الفِطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاط وانشراح لها، والْتِذَاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاجِّ يوم عرفة بعرفة؛ فإن السُّنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة.
فإنْ قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده؛ لبقاء المعنى.
فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحِكْمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة.
وقيل: سببُه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يُفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وهذا ضعيف منتقِض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه.
وقيل: سبب النهي: لئلا يُعتقد وجوبه، وهذا ضعيف منتقِض بيوم الاثنين، فإنه يندب صومه، ولا يُلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد، وبيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وغير ذلك، فالصواب ما قدمنا، والله أعلم. شرح مسلم (8/ 19-20).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قسَّم الشارع الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
قسم شَرَعَ تخصيصه بالصيام إما إيجابًا كرمضان أو استحبابًا كعرفة وعاشوراء.
وقسم نهى عن صومه مطلقًا كالعيدين.
وقسم نهى عن تخصيصه كيوم الجمعة وبعد النصف من شعبان، فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يُكره، فإنْ خُص بالفعل نهي عنه سواء قصَدَ الصائم التخصيص أم لا، اعْتَقَدَ الرجحان أم لا. فيض القدير (6/ 332).


ابلاغ عن خطا